من قديم الأزل كان أكثر ما يخيف البعض هو الإصابة بأمراض السكري واضطراب الضغط وغيرهما من الأمراض المزمنة، لكن في الوقت الحالي تكمن الخطورة في التعرض لانتكاسات نفسية واضطرابات معنوية ناتجة عن التعرض لمواقف صادمة وعصيبة تجرد المرء من إنسانيته، وتدخله دوامات من الحزن والانكسار والغضب المبالغ فيه، حتى تتلاشي طبقات سجيته السليمة القويمة، وتتغير حياته ثلاثمائة وستين درجة، ويصير شخصا مختلفا عما كان عليه في السابق.
تلك الحالة المنتشرة على نطاق واسع في تلك الفترة من الزمن هي محور قصة فيلم «Causeway» أحدث إصدارات منصة «أبل»، والذي عرض ضمن فعاليات مهرجان «تورنتو» السينمائي سبتمبر الماضي، حيث نتعرض لدراسة شخصية تعود من أفغانستان تحاول التأقلم مع الحياة من جديد وإيجاد ذاتها المفقودة جراء تداعيات الظروف التي تعرضت لها، وتلك النوعية من الأعمال لا تتميز فقط بقوة الجوانب الدرامية التي يسهل ارتباط المشاهد بكل تفاصيلها، بل بكونها انعكاسا واقعيا لما يحدث للبشر، خصوصا ممن هم في معاناة نفسية ومحاولات لعلاج ذلك الاضطراب والتعافي منه بكل السبل الممكنة.
نجح فيلم «Causeway» في الالتزام بقواعد الأفلام الواقعية، وتسخير كل السبل الفنية والسردية والقصصية وكذلك الإخراجية من أجل تكوين صورة عامة وشافية عن أحوال فئة من البشر يتعرضون لأسوأ عذاب لا يمكن لأحد أن يتحمله على الإطلاق أو يتعايش معه وبهذا العناء المستمر.
تدور أحداث الفيلم حول «لينزي» التي تتعرض لإصابة على مستوى الدماغ خلال تواجدها مع الجيش الأميركي في أفغانستان، وتجبرها على العودة إلى الوطن، حيث تحاول التأقلم على الحياة من جديد والتواجد وسط الناس خصوصا مع أمها وصديقها «جيمس». ونتعرف خلال ساعة ونصف الساعة، على المحاولات الجادة من «لينزي» لتعود الى الحياة بصورة طبيعية وتدريجية عن طريق إيجاد عمل مناسب والتواصل مع الغير. ويبقى أبرز مثال واضح داخل الأحداث وهو علاقتها بفني السيارات «جيمس» التي من خلال تطور مناسب للأحداث وإيقاع تصاعدي هادئ نرى تأثير تلك العلاقة عليها بمرور الوقت، وأنها السبيل الأهم وليس الوحيد بكل تأكيد للتعافي من مصابها الكبير.
يقابلها على الجانب الأخر «برايان تايري هنري» الموهوب الذي نجح في تجسيد ردة الفعل على تصرفات «لينزي»، وكذلك استغلال المساحة التي أعطيت له داخل الأحداث للتعبير عن ذاته وعن الماضي الذي تأثر به من قبل بأداء مثالي يسهم في التأثير الكبير للجوانب الدرامية التي تشكل العنصر الأساسي بالقصة.
في الختام، يحقق «Causeway» الغاية منه بامتياز، وهي الكشف بواقعية عن حقيقة يتعرض لها الكثير من البشر على الجانب النفسي والمعنوي، وتلك الواقعية هي التي تجعل من الفيلم عملا يستحق المشاهدة ولا يمكن تفويته نهائيا.