غاب الضمير لدى البعض للأسف، أو لنقل تعطل ومات عند آخرين، فأحدث ذلك لدى إنسان اليوم تأثيرات واضحة على شخصيته وعلى مستوى قيمه وأخلاقه ومفاهيمه ومبادئه.
أصبحنا نرى وفي مختلف مناحي وجوانب حياتنا اليومية الكثير من السلوكيات والمظاهر المجتمعية التي باتت شائعة وشبه مألوفة، على الرغم من فداحتها وبشاعتها، كالغيبة والنميمة والتملق والنفاق، كالانتهازية والاستغلالية المقيتة، والتنافسية السلبية والوشاية المدمرة بين المقربين والأصحاب، حتى بين الأسر والأرحام، وكالكذب والافتراء، وسوء الظن، كالبهتان الذي يبهت ويدهش سامعه ويجعله يتحير، كالتبلي على الآخرين في الخصومة واتهامهم بأمور لا تمت لهم بصلة، إلخ.
قال تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون)، ولكل تصرف سيئ أو مؤذ تجد تلك الحجج الجاهزة والتبريرات اللامنطقية، فلا نفس تلوم صاحبها ولا وجع يؤنب ضميره أو يعتصره ندما.
لذلك تجد الكثيرين صاروا يتمادون بالقيام بمثل هذه التصرفات والممارسات.
إن بعض التغيرات الاجتماعية هزت قيم ومبادئ الكثير من الأشخاص للأسف، أشخاص كانوا في الماضي شيئا، والآن تحولوا لشيء مغاير تماما، وكثيرا ما نصادف أشخاصا يترحمون على أيام لم يكن فيها الحقد والنفاق والحسد والكذب معروفا بهذه الصورة الموجودة اليوم.
ففي حياتنا الآن انشغل البعض عن ذلك الصوت الذي بداخلهم «الضمير»، إلى أن طغت عليهم المظاهر الزائفة على حساب المبادئ والقيم والأخلاق والعلاقات الإنسانية حتى مع أقرب الناس إليهم، فأوجدوا لكل سلوك مرفوض شرعا وعرفا ومخرجا ومبررا، وبالتالي سادت لديهم الأنانية المقيتة، بحيث اصبحوا لا يشعرون بوخز تأنيب الضمير تجاه أي موقف يتعلق بتقصيرهم حتى مع أهلهم ووالديهم.
تلك الأنانية التي عادة ما تدفع الفرد إلى التفكير في مصلحته فقط وان كانت على حساب الآخرين، فالإنسان الأناني لا يحب إلا نفسه، كما أنه لا يفرح لفرح الآخرين ولا يحزن لحزنهم، فهو لا يرى في هذا الكون إلا نفسه، كما أن حياته تدور حول محور واحد فقط هو ذاته، بغض النظر عما سيضحي به من مبادئ وقيم.
كما اختلف بعض الناس حول الحلال والحرام والمكروه والمرغوب، مما أثر سلبا على الضمير الأخلاقي وتأنيب الضمير وضعف الأنا العليا، إلى أن انعكس ذلك سلبا على علاقاتنا، كما تعددت بعض السلوكيات التي تخالف الدين، كقطيعة الرحم والمكر والمكيدة والمخاتلة.
لذلك يبقى الضمير المتيقظ هو صوت الرقابة والمحاسبة والتقويم، كما أنه يظل القانون المحكم للالتزام والإتقان، وهو أيضا السد المنيع لمواجهة مثل تلك التصرفات.