الدنيا هي الشغل الشاغل للسواد الأعظم من الناس، مع أنها مثل «الحية» ملمسها لين والسم الناقع في أنيابها، ونحن نعلم تمام العلم أن الدنيا ظل زائل، والآخرة هي القرار، لذا تجد المؤمن في جهاد معها وصبر ومصابرة حتى يفارقها، والـــعاقبة للمتقين، تأملوا ما تقول لنا الدنيا على لســـان الشاعر عبدالواحد بن نصر المخزومي:
هي الدنيا تقول بملء فيها
حذارِ حذارِ من بطشي وفتكي
ولا يغرركم حسن ابتسامي
فقولي مضحك والفعل مبكي
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: «من لم يكن غنيا عن الدنيا فلا دنيا له».
ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أحد أصبح في هذه الدنيا إلا وهو ضيف، وماله عارية، والضيف مرتحل والعارية مردودة، ولنا في السلف الصالح القدوة الحسنة فقد أهانوا الدنيا ولم تكن أكبر همهم، ولم يغرهم متاعها ودورها وزخرفها وقصورها، فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصعد المنبر، وهو خليفة يجبى له خراج مصر والشام والعراق واليمن والحجاز وغيرها، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة، ولو تمزق جيب أحدنا لخجل أن يذهب إلى المسجد وعاد إلى المنزل وغير ملابسه وعاد ثانية، والحق أن الدنيا حلم والآخرة يقظة والموت متوسط بينهما ونحن بالخيار، وكأننا في أضغاث أحلام، فسنيننا تجري بنا إلى آجالنا لا تلوي على شيء، والدنيا إذا كانت هم المرء فرقت بينه وبين خالقه. يقول الحسن البصري في ذلك: من كثر ماله كثرت ذنوبه، ومن كثر كلامه كثر كذبه، ومن ساء خلقه عذب نفسه.
وما الدهر والأيام إلا كما ترى
رزية مال أو فراق حبيب
وإن امرأً قد جرب الدهر لم يخف
تقلب حاليه لغير لبيب
إن يسير الدنيا وللأسف يشغل المسلم عن كثير الآخرة. يقول الفضيل بن عياض، قيل: يا موسى أيحزن عبدي المؤمن أن أزوي عنه الدنيا وهو أقرب له مني؟ ويفرح أن أبسط له الدنيا وهو أبعد له مني.
نسأل الله حسن الخاتمة.
ودمتم سالمين.