- في أكتوبر 1993 أصدر المجلس الوطني للثقافة كتاب «الكون» ضمن سلسلة «عالم المعرفة» بعد أن لفت أنظار الملايين بسبب ما جاء فيه من معلومات
- العالم الفرنسي د.موريس بوكاي أكد أن بالقرآن تأملات عامة يستطيع الجمهور الأكثر ثقافة في كل مكان وزمان أن يستخرج منها تعاليم إذا ما كبّد نفسه عناء التأمل
- بدت أهمية الأرض في أنها ذكرت بلفظها في القرآن الكريم 313 مرة في آيات مختلفة ضمن سور متعددة يبين الله العلي العظيم فيها أهميتها للناس
صدر في مصر خلال سنة 1932 كتاب له أهمية عالية، ألّفه باللغة الإنجليزية اللورد جون أفيري، وعرّبه الأديب والشاعر اللبناني وديع البستاني الذي ولد في سنة 1886 وتوفي سنة 1954، وكان كثير الترحال بين الدول، وله عدة مؤلفات وترجمات ذات أهمية. هذا الكتاب هو «محاسن الطبيعة». وقد أحسن مترجمه الصنع حين قدمه إلى قراء اللغة العربية بأسلوب جميل واضح، يحفز المرء على متابعة قراءته والاستفادة منه حتى نهايته.
أذكر أن شيخنا الأستاذ السيد أحمد صقر قد نصحنا - أنا وزملائي - بقراءة هذا الكتاب، وقال لنا عنه إنه كتاب ممتع، ممتلئ بالمعلومات التي لا بد لكل امرئ أن يحيط بها، إضافة إلى أن مترجمه قدمه بلغة عربية سليمة وفصيحة ذات تعبير أخاذ.
ومن ذلك الوقت والكتاب بين يدي، أعود إليه بين الفينة والأخرى، لكي أقرأ شيئا مما ورد فيه، وأستعيد ما كنت قد قرأته فيما مضى، وعندما خطرت في بالي فكرة هذا الموضوع، وجدت أن العودة إليه قد تفيد، وقد رأيتها - كذلك - مفيدة إلى حد كبير.
يتكون الكتاب من عشرة فصول، يذكر كل فصل منها محاسن الطبيعة في جهة معينة من جهات الكون الواسع، ويدعو إلى التأمل فيه.
وفي أول فصل من هذه الفصول يقول المؤلف: «ما الأرض إلا جنة أنزلت فيها آيات الجمال، ومجرد وجودنا فيها هو بينة البينات».
نعيش وحولنا من محاسن الطبيعة ما يسحر الألباب، ومن عجائب الكون ما يحير الأذهان، وقل منا من يتمتع ما استطاع. وأينا عرف قيمة ما لديه، وأدرك كنه ما هو فيه وإليه».
وإضافة إلى الأوصاف التي ساقها لبعض جوانب الكون، فإنه أورد كثيرا من المقتطفات التي اقتطفها من أقوال عدد من الكتاب والفلاسفة من سابقيه ومعاصريه، ولقد كان من رجال الفكر الذين اختار من أقوالهم رجل قال عنه: «وهاك كيف كان كنسلي يحب البوادي وقيعان الخلجان المكتنفة» ويقول: كثيرا ما كنت أتجول في تلك البراري متمتعا بمشاهد الطبيعة وعجائبها. والحق يقال إنني ما كنت أخرج وحدي - فالنحل والزهر والحصى كانت تؤنسني وتحدثني، ولا كنت أذهب الوقت سدى، بل أمرّ بالغيضة والأجمة فأقف متأملا متفكرا، كأنني أحاول حل الرموز وتفسير الطلاسم في سفر الكون وأقول بحق «إن من البيان لسحرا».
إذن، فإن الأرض جديرة بالاهتمام، وأولى بنا أن نتحدث عنها، ونبحث عن محاسنها، ونبين ما تفيض به علينا من خيرات، فنذكر رحمة الله، عز وجل، بنا أن رزقنا العيش فيها.
* * *
في شهر أكتوبر لسنة 1993 أصدر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت كتابا مهماً جاء ضمن سلسلة «عالم المعرفة».
يتكون عنوان هذا الكتاب من كلمة واحدة هي: الكون، ألفه د.كارل ساغان، وهو عالم فلكي له مكانة في مجال هذا التخصص، وقد لفت أنظار الملايين إلى كتابه هذا وإلى البرنامج التلفزيوني الذي تم عرضه مستمدا منه محتواه، وكان كل هذا الاهتمام البشري الكبير بالكتاب والبرنامج المذكور بسبب ما جاء فيهما من معلومات تخص الكون في كافة أرجائه.
وقد بلغ الأمر بما ناله هذا الكتاب من اهتمام أن كتب أحد المختصين عنه قائلا: «إنه أشبه ما يكون بمنهج دراسي جامعي في كلية ما، كان بودك أن تدرسه، ولكنك لم تعثر على الأستاذ الذي يمكنه أن يعلمك إياه».
ووصف الكون بقوله: «إن الكون لا يتسم بالعظمة المذهلة فحسب، بل إن الكتاب يقربه من إدراك الناس الذين ولدوا فيه وارتبط مصيرهم به».
يتحدث المؤلف كارل ساغان في كتابه هذا عن كثير من الأمور ذات الصلة بالكون، ابتداء من ذكره للمحيط الكوني الهائل، وانتهاء بذكر النجوم والمجرات. ثم يختم كتابه هذا بفصل عنوانه: «من يتكلم عن الأرض؟ وكأنه يريد أن يقول من يدافع عن الأرض؟ وهي تواجه الحروب التي باتت تتخذ اتجاها مدمرا منذ أطلقت أولى القنابل الذرية في اليومين السادس والتاسع من شهر أغسطس لسنة 1945 على اليابان.
ويورد المؤلف هنا بيان ما يحس به من تخوف شديد على كوكبنا ناقلا أقوال العلماء في هذا المجال، قائلا: إننا - كل شعوب الأرض - قد صرنا رهنا للأسلحة النووية نهدد بها بين وقت وآخر. ومن أجل ذلك فلابد من أن نبذل كل جهد ممكن في سبيل أن ننشر بين زملائنا من البشر في أنحاء الأرض وهم الذين يماثلوننا في البشرية - ما ينبههم إلى الأخطار التي تواجه كوكبنا: الأرض، جراء السباق المحموم إلى إنتاج أسلحة الدمار الشامل التي تعم خطورتها كل مكان، وهذا حديث مهم له علاقة بالحفاظ على الأرض، وحمايتها من الجور الذي تسببه الحروب، والأسلحة ذات الخطر المفجع، وهذان الأمران من أهم ما ينبغي للبشر الالتفات إليه حماية لأنفسهم حاضرا ومستقبلا.
***
كان هذا مدخلا أردنا به أن يكون سبيلنا إلى ما يتعلق بموضوع يتسع حوله الحديث، فهو عن أمنا الأرض التي نعيش عليها بما هيأه الله - عز وجل - لنا فيها من وسائل تجعلها مقرا لبني آدم منذ زمن أبيهم عليه السلام، ولقد جرت بحوث كثيرة حول الأرض من عدة نواح كان منها ما ورد في كتاب ألفه الفرنسي د.موريس بوكاي، المولود في سنة 1920، والذي توفي سنة 1998. وقد تناول هذا الرجل في كتابه كل ما يحتاج إليه القارئ من حديث يتعلق بالأرض، وما يتصل بها من مظاهر تبدو لنا في أشكالها ومياهها، وما هيأه الله سبحانه وتعالى فيها من أسباب تجعلها صالحة لسكن ملائم لبني آدم. وقد بين بوكاي في كتابه: «القرآن والتوراة والإنجيل، دراسة في ضوء العلم الحديث» ما يتعلق بذلك من وحي ما قرأه في كتاب الله عز وجل: القرآن الكريم، وقارنه بما توصل إليه العلم وكتب حول ذلك فقرة جعلها ضمن كتابه المشار إليه آنفا، كانت تحت عنوان: «آيات ذات مغزى عام» جاء فيها:
«وتعبر هذه الآيات من جهة عن أفكار بسيطة يسهل إدراكها على فهم هؤلاء الذين كان القرآن موجها إليهم لأسباب جغرافية، أي سكان مكة والمدينة وبدو شبه الجزيرة العربية، ومن جهة أخرى فهي تعبر عن تأملات عامة يستطيع الجمهور الأكثر ثقافة في كل مكان وزمان أن يستخرج منها تعاليم، إذا ما كبد نفسه عناء التأمل، تلك هي السمة الكونية الشاملة للقرآن».
ونضيف إلى ذلك - امتدادا لهذا الحديث - أن الله، عز وجل، قد خلق الأرض وجعلها مهيأة للبشر، يعيشون فيها، وينعمون بخيراتها. وهذا هو ما تدل عليه الآية الكريمة رقم 33 من سورة البقرة: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، وقد تمت إرادة الله النافذة، فمكّن آدم عليه السلام ونسله من سكنى الأرض، والتمتع بما فيها من خيرات، وقد بدأوا منذ ذلك الوقت العيش فوق ما مهد لهم منها، ولم يتركهم، بل أمدهم بكل ما يساعد على العيش من حيث ملاءمة الأجواء العامة، والنبات والمياه والجبال والوديان والحيوان. وكان من ضمن الآيات التي استشهد بها بوكاي قوله تعالى في الآية رقم 22 من سورة البقرة: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).
لقد استفاض المؤلف في حديثه عن الأرض حتى تناول كل ما فيها من صحراوات وأنهار وعيون تفيض بالماء مستندا في ذلك إلى آيات من القرآن الكريم.
إذن، فإن الأرض التي نعيش عليها من أهم ما يسره الله سبحانه وتعالى لخلقه، ففيها معيشتهم، وفيها أرزاقهم، وقد بدت أهمية الأرض في أنها ذكرت بلفظها في القرآن الكريم ثلاثمائة وثلاث عشرة مرة. في آيات مختلفة ضمن سور قرآنية متعددة: وفي كل هذه الآيات يبين الله العلي العظيم أهميتها للناس. ويذكر ما أودع لهم فيها من أمور تنفعهم في حياتهم، وتتيح لهم الحصول على كافة احتياجاتهم التي تمكنهم من الحياة المطمئنة الآمنة، ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة، الآية رقم 164: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).
وقوله الكريم في الآية رقم 19 من سورة الحجر: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون). (الرواسي: هي الجبال).
وفي الآية رقم 50 من سورة الروم حيث يقول عز وجل: (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير).
وفي الآية رقم 53 من سورة طه: (الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى).
لقد جعل الله سبحانه وتعالى فيما خلق آيات تدل على عظيم قدرته، وجليل فضله، وتفتح ذهن من أراد أن يتدبر في ملكوته، فيدرك نعمة ربه عليه حين يراها في خلق السموات والأرض، وفي اختلاف الليل والنهار، وفي السفن التي تجري في البحر حاملة المنافع للناس من مكان إلى آخر، وما أنزله الله من السماء من ماء ممطر على الأرض حتى تحيا به بعد أن جفت في أيام الصيف الحارة حين ينقطع المطر، وما على الأرض من دواب مختلفة الأصناف، والرياح التي تنقل السحاب من أفق إلى آخر، وتنفع حركتها الناس بمنافع أخرى يستطيع الإنسان أن يعرفها مما يمر عليه في حياته.
ولقد مد الله سبحانه وتعالى الأرض، وسخرها لخلقه أجمعين، وجعل فيها الجبال الراسية الثابتة. وأنبت فيها من كل شيء بحسب نظام متوازن لا يختل.
وهو - جل شأنه - ينبه خلقه من البشر، ويلفت أنظارهم إلى آثار رحمته التي تتمثل في أمور كثيرة منها ما سبقت الإشارة إليه من إحياء الأرض بعد جفافها، ويبين لهم أنه وهو القادر على إحياء موات الأرض قادر على إحياء الموتى من البشر، بل هو قادر على كل شيء.
ويخبر خلقه بأنه هو الذي مهّد لهم الأرض، وجعل لهم فيها سبلا يسيرون من خلالها إلى غاياتهم.
ومع هذه النماذج المضيئة التي تبين مكانة الأرض من بين كل ما خلقه الله سبحانه وتعالى من مخلوقات، فقد مر في الكتاب الكريم ما يدل على ما هو أكثر لفتا للأنظار، إذ وردت في كتاب الله آيتان يحتاج المرء إلى التوقف أمامهما متأملا، وباحثا عن مغزاها العميق وهما:
قوله تعالى في سورة الرعد، الآية رقم 41: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب).
وقوله تعالى في سورة الأنبياء، الآية رقم 44: (بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون).
ومن الملاحظ أن هاتين الآيتين الكريمتين تشيران إلى قدرة الله سبحانه وتعالى على التحكم في الأرض، فهو القادر على خلقها بتمامها، وبما جعله فيها من خيرات تحدثنا عنها فيما سبق، وهو القادر - كذلك - على إنقاصها، وقد وردت الإشارة إلى الإنقاص بصيغة تدل على أن هذا الأمر غير مجهول، بل هو معروف للبشر جميعا، وبخاصة منهم أولئك الذين نزل القرآن الكريم وهم حضور بمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك جاء التنزيل الكريم بلفظ: «أفلا يرون».
وليس في هذه العبارة القرآنية ما يدل على انتظار إجابتهم عن هذا التساؤل، لأن الله، عز وجل، قد تحدث إليهم بعلمه، ولم يخاطبهم على قدر علمهم، وسوف نرى - فيما بعد - ما يمكن أن يقال في تأويل ما يتعلق بنقصان الأرض.
ومن أجل ذلك، فإننا نواصل القول فنذكر ما يلي:
من الملاحظ أن المفسرين للقرآن الكريم قد تحدثوا كثيرا عن هاتين الآيتين عندما وصلوا إلى موقعهما في المصحف الشريف، وقالوا أقوالا كثيرة، ونلتمس لهم العذر في كل ما قالوه، ونقدر لهم قيمتهم العلمية، وأقدميتهم في الإسلام، وحرصهم على حفظ كتاب الله وتفسيره. ولكن ما ورد عنهم لا ينفي الالتفات إلى ما ورد في بحوث العلم الحديث التي لم يأت فيها ما ينافي ما ورد في القرآن الكريم، بل إن النتائج العلمية هي التي أدت ببعض الباحثين من غير المسلمين إلى الدخول إلى الإسلام عندما وجدوه لا يتنافى مع حقائق العلم.
ونحن حين نتلو هاتين الآيتين، فإننا لا بد أن نشير إلى أنهما قد وردتا في مقام التذكير بقدرة الله، عز وجل، والتنبيه إلى أن جحدهم لما جاء لهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربه، عز وجل، أمر لا يرضي الله ولا رسوله، وفيه مخالفة لما ينبغي أن يمتثل به المخلوق تجاه خالقه الذي أنعم عليه بالحياة ويسر له أسبابها.
ولقد وعد الله المصدقين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم بالجنة ونعيمها. ووعد المكذبين بأشد العذاب وقال له ما معناه: إن رأيت ما يحل بهم مما وعدناهم به من عذاب، أو إنك توفيت وغادرتهم، فإنك لا تلام بسبب تكذيبهم لك، فإن مهمتك في تبليغهم بما أرسلت به، والله يتولى حسابهم.
ذلك أن الله هو الذي خلق هذه الأرض التي يعيشون على ثراها ويتمتعون بما فيها من متاع. وهو الذي ينقصها من أطرافها زمنا بعد زمن بما يعني زوال ما هم فيه من نعيم الأرض ولو كان ذلك بعد حين.
وفي موضع الآية الثانية ما يسبقها في طلب التساؤل الموجه إلى من يكفر بالرحمن سبحانه وتعالى، ففي ذلك قوله الكريم: (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون).
(يكلؤكم: يحفظكم، من الرحمن: معناها غير الرحمن)، أم لهم آلهة تمنعهم مما سوف يحل بهم من عذاب الله فلا يستطيعون الانتصار لأنفسهم، ولا يجيرهم أحد من غضب الله.
ثم تأتي الآية التي تذكرهم بدايتها بما أنعم الله عليهم وعلى الأمم من قبلهم، حتى طال عليهم الأمر فظنوا أنهم على حق، وأنه لن يلحق بهم أي عذاب، ولم يلتفتوا إلى ما يحل بالأرض حولهم من نقص سيكون في يوم قدره الله، عز وجل، سببا في زوالها وزوال من عليها.
٭٭٭تحدثت الموسوعة العربية الميسرة عن الأرض، فقالت:
«الأرض، خامس كوكب من المجموعة الشمسية من حيث الحجم، والكوكب الوحيد فيها الذي يعرف بأنه يحمل الحياة».
وتمضي الموسوعة في تقديم وصفها الدقيق للأرض من عدة جوانب إلى أن تقول أخيرا: «ومركز الأرض يتكون من قشرة خارجية يعتقد أنها سائلة، واللب الداخلي مادة صلبة، وقد قدر عمر الأرض بطرق مختلفة ويعتقد أنه ما بين 400 و500 مليون سنة».
وأما ما يتصل بمعنى الآيتين الكريمتين اللتين ذكرناهما فيما مضى، فقد ورد في البحوث العلمية الحديثة ما يدل عليه، بما لا يتنافى مع التفسير العام لكتاب الله، عز وجل، بل إنه ليكاد أن يكون تأكيدا لهذا التفسير، ودليل إعجاز له.
وفي إيجاز شديد نورد بعض ما قيل في هذا الشأن:
أ - كانت الأرض - ولا تزال - تنقص من أطرافها، فهي مستمرة في هذا النقصان، فهناك نقص عند طرفي الأرض حول القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي. ونرى الكرة الأرضية تنفث من جوانبها خلال فوهات البراكين ملايين الأطنان ما يتسرب إلى الغلاف الجوي، فينقص من الأرض.
وإضافة إلى النقص المشار إليه في القطبين، وما يخرج من فوهات البراكين، فإن هناك نقصا يلحظ في قمم الجبال التي تتعرض إلى شيء من النحت بمرور الزمن، ويلحظ في نحت أمواج البحار، فهي تنحت من اليابسة، وتغطي جزءا منها. وكل هذه أطراف من أطراف الأرض التي تخضع للنقصان المستمر.
هذا ولا تزال الأرض تواجه التغييرات في ذاتها، وتخضع لتحولات متعددة، ومن ذلك ما جاء في عدد «الأنباء» ليوم الجمعة 4 أبريل 2025، من خبر غريب من الأخبار المتعلقة بالأرض ونصه: «اكتشف علماء الجيولوجيا أن الجانب السفلي من قشرة الأرض يتسرب إلى باطن الكوكب، وتحدث هذه الظاهرة خاصة تحت الغرب الأوسط الأميركي.
ووفقا للدراسة التي نشرتها مجلة «ساينس أليرت» العلمية، فإنه على الرغم من أن نقطة التركيز تقع تحت الغرب الأوسط الأميركي، إلا أن تأثيراتها منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء الأرض، لكنها عملية تمتد على مدى زمني يتراوح بين ملايين ومليارات السنين ومن غير المرجح أن تؤثر على أي شخص يعيش في قارة أميركا الشمالية لأجيال عديدة قادمة.
وأشارت الدراسة إلى أن كتلاً من الصخور المنصهرة تتجمع في الوشاح العلوي للكوكب، لتكتسب في النهاية كتلة كافية لترسبها على عمق أكبر، وهي آلية بطيئة وتدريجية كشفت عنها عمليات الرصد الزلزالي التي تظهر ترقق الغلاف الصخري تحت المنطقة».
وهذا الذي يشير إليه الخبر يوحى بمدلولات مهمة لا بد من الإشارة إليها، وهي:
- إنه صادر عن مصادر علمية موثوق بها، وقد نشر في مجلة علمية ذات أهمية.
- إن الأثر الناتج عن هذا الحادث يمتد من الغرب الأوسط الأميركي إلا أنه ينتشر في كل أرجاء الأرض دون تحديد.
- إنه امتداد لعملية جرت ما بين ملايين ومليارات السنين.
- إن الحادث لا يؤثر على أي شخص يعيش على وجه الأرض في الوقت الحاضر في أميركا.
- إن هذا الأمر ليس له تأثير يمتد إلى الأجيال القادمة. وهذا فيه نظر، لأن الإرادة الإلهية هي التي تحكم الكون، وتدبر أمور أهله.
ولم يجد الباحثون سببا ولا تفسيرا يؤديان إلى ما حدث، خاصة ما ورد وصفه في الفقرة الثانية، إلا أننا نجد إشارة مهمة فيما بعد ذلك عند ذكر كتلة ترسبت في عمق أكبر، وفي آلية ذكروا أنها بطيئة وتدريجية، تظهر - بموجب ما كشفت عنه عمليات رصد الزلازل - ترقق الغلاف الجوي حول المنطقة.
ألا يمكن أن يسمى هذا الترقق نقصا في هذا الطرف من أطراف الأرض؟ أو تمهيدا لنقص؟
ثم ألا يمكن القول إن هذا النقص أمر قائم ودائم يكفينا أننا نرى أثره قائما إلى يومنا هذا؟
لا نقول هنا إلا «صدق الله العظيم».