ذكر تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني أن تصاعد المخاوف بشأن متانة الاقتصاد العالمي في ظل تنامي النزعة الحمائية التجارية، بالتزامن مع تسريع إنهاء خفض الإمدادات من قبل الأوپيك وحلفائها، أدى إلى هبوط أسعار خام برنت لأدنى مستوياتها في 4 أعوام، مسجلة نحو 60 دولارا للبرميل في مطلع مايو، لتسجل بعد ذلك ارتفاعا طفيفا من القاع الذي بلغته.
وأوضح التقرير أنه نتيجة لتراجع التوقعات الاقتصادية، خفضت وكالة الطاقة الدولية تقديرات نمو الطلب على النفط لعام 2025 لأدنى مستوى لها منذ سنوات، عند 740 ألف برميل يوميا، ما يرفع من مخاطر تراكم فائض المعروض على المدى المتوسط، في ظل استمرار زيادة الإمدادات من الأوپيك وحلفائها إلى جانب ارتفاع التدفقات من خارج المجموعة.
ويعد هذا التحدي من أبرز المخاطر الجوهرية التي تضغط على أسعار النفط الخام، كما يتضح من ضعف أداء العقود الآجلة وسلسلة المراجعات الهبوطية التي أصدرتها الوكالات المتخصصة. وعلى الجانب الآخر، تبقى بعض المحفزات الصعودية قائمة، وفي مقدمتها احتمالات تعطل الإمدادات نتيجة تشديد العقوبات الأميركية على دولتي إيران وفنزويلا، أو إحراز تقدم يفضي إلى انخفاض توترات الحرب التجارية العالمية.
وأشار تقرير البنك الوطني إلى أنه خلال الربع الأول من 2025، بقيت أسعار النفط مستقرة لحد كبير، إلا أنها شهدت انخفاضا حادا في الربع الثاني، بعد موجة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيما عرف باسم «يوم التحرير» على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، إضافة إلى قرار الأوپيك وحلفائها بتسريع وتيرة التراجع عن خطة خفض الإمدادات.
وخلال شهر أبريل، انخفض سعر مزيج خام برنت إلى أدنى مستوياته المسجلة في أربع سنوات، فاقدا ما نسبته 15% من قيمته بنهاية الشهر، في أكبر تراجع شهري يسجله منذ نوفمبر 2021، قبل أن يعمق خسائره ليصل إلى 60.2 دولارا في مطلع شهر مايو.
ومنذ ذلك الحين، واجه سعر خام برنت صعوبة في تجاوز نطاق منتصف الستينيات، على الرغم من أن قرار الرئيس ترامب بتأجيل الرسوم الجمركية على السلع الصينية لمدة 90 يوما ساهم في رفع الأسعار بشكل طفيف.
ولفت تقرير الوطني إلى أن أسعار النفط حاليا تتداول حول مستوى 64 دولارا للبرميل، وسط حالة من المعنويات السلبية الناتجة عن الارتفاع غير المتوقع في مخزونات النفط في الولايات المتحدة، واستمرار الأوپيك وحلفائها في زيادة إمداداتها للشهر الثالث على التوالي، من جهة، والمؤشرات الإيجابية المتعلقة بتراجع عدد منصات النفط الأميركية والتشاؤم المحيط بإمكانية التوصل لاتفاق نووي جديد يرضي الطرفين الأميركي والإيراني من جهة أخرى.
التخفيضات التطوعية
من جهة ثانية، ذكر تقرير الوطني أن «أوپيك» وحلفاءها أعلنت عن تسريع وتيرة تراجعها عن التخفيضات التطوعية للإنتاج بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا من قبل مجموعة الثماني ضمن «أوپيك» التي تضم ثمانية أعضاء (السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وعمان) من 131 ألف برميل يوميا في أبريل إلى 411 ألف برميل يوميا في مايو وكل من يونيو ويوليو، رغم تصاعد الضغوط على جانب الطلب.
وقال التقرير إن هذا القرار جاء في إطار مساعي «أوپيك» لفرض مزيد من الانضباط الداخلي، في ضوء تكرار تجاوز بعض الأعضاء لحصصهم المقررة، وعلى رأسهم العراق وكازاخستان. وتسعى المجموعة من خلال هذا التحرك الى إحداث ضغط مالي ناجم عن تراجع الأسعار، يدفع الدول غير الممتثلة إلى تصحيح مساراتها وتنفيذ خفض تعويضي، بعد سلسلة من التجاوزات التي أضعفت الالتزام الجماعي ضمن التحالف، وتضمن الاتفاق الأخير لـ«أوپيك» وحلفائها بندا رئيسيا يقضي بقيام الدول غير الممتثلة لحصص الإنتاج المقررة بتعويض تجاوزاتها السابقة عبر خفض تدريجي للإمدادات، وفق جدول زمني مشترك ومتفق عليه، في محاولة لإعادة التوازن إلى السوق وتعويض الكميات الزائدة التي كان من المقرر ضخها خلال الأشهر المقبلة.
ووفقا لمصادر «أوپيك» الثانوية، فإن متوسط حجم التخفيضات التعويضية المطلوب من الأعضاء الثمانية بلغ نحو 305 آلاف برميل يوميا خلال الفترة من يناير 2024 حتى مارس 2025، وهو ما كان كفيلا، نظريا، بتغطية الزيادة المقررة سابقا البالغة 131 ألف برميل يوميا، إلا أن التطبيق الفعلي أظهر تباينا واضحا، إذ سجلت الزيادة الصافية في إمدادات الدول الأعضاء خلال أبريل، وهو أول شهر في الجدول الزمني للتراجع عن خفض حصص الإنتاج تدريجيا، نحو 23 ألف برميل يوميا فقط - أي دون مستوى 131 ألف برميل يوميا المستهدف بكثير.
ومن بين الدول الثماني، رفعت أربع فقط إنتاجها، هي السعودية، والإمارات، وعمان وروسيا. في المقابل، استمر العراق وكازاخستان في تجاوز حصصهما بشكل كبير، دون تنفيذ فعلي للتخفيضات التعويضية التي تعهدا بها، وذلك رغم خفضهما للإنتاج في شهر أبريل. وانعكس هذا الأداء المتباين على إجمالي إنتاج دول ميثاق التعاون المشترك (باستثناء إيران، وليبيا، وفنزويلا، والمكسيك المعفاة من نظام الحصص)، الذي تراجع بشكل طفيف في أبريل إلى 30.0 مليون برميل يوميا (-17 ألف برميل يوميا). وواصل إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة تحليقه بالقرب من مستويات قياسية، مسجلا نحو 13.4 مليون برميل يوميا بحلول منتصف مايو، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. مع ذلك، وفي ظل تراجع أسعار النفط وتزايد الضبابية حيال آفاق الاقتصاد العالمي، خفضت الإدارة بشكل ملحوظ توقعاتها لنمو الإنتاج خلال عام 2025 إلى 208 آلاف برميل يوميا فقط - أي ما يقارب نصف تقديراتها السابقة - في أبطأ وتيرة نمو منذ عام 2021. ومن المرجح أن يتباطأ النمو أكثر في عام 2026 ليبلغ 82 ألف برميل يوميا فقط، مع تراجع نشاط الحفر من قبل المنتجين نتيجة ضغوط الأسعار. ووفقا لمسح الطاقة الصادر عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، يبلغ متوسط سعر التعادل لحفر بئر جديدة في مناطق النفط الصخري الأميركية نحو 65 دولارا للبرميل، أي أعلى من السعر الحالي لخام غرب تكساس الوسيط بعدة دولارات.