كثيرا ما نصادف استفسارات من البعض وتساؤلات عن كريمة الدارين ونفيسة العلم. في هذه السطور، نتعرف معا على السيدة نفيسة بنت (رضي الله عنه) الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي ابن أبي طالب، كرم الله وجهه ورضي عنه. ولدت السيدة الطاهرة نفيسة في العام 145هـ في مكة المكرمة وعاشت بها خمس سنوات ثم انتقل والدها إلى المدينة المنورة وظلت العفيفة الشريفة السيدة نفيسة بجوار المسجد النبوي تتلقى العلوم ودروس الفقه.
وعلى الرغم من أن والدها الحسن الأنور رضي الله عنه كان واليا على المدينة المنورة، فإن العز والجاه لم يكن له أي تأثير سلبي في تربيتها ونشأتها، خاصة أن والدها حرص على أن تتعلم وتتأدب بآداب النبوة، وكان والدها رضي الله عنه يأخذها إلى قبر جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول «إني راض عن ابنتي نفيسة»، وقد رأى والدها في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له «إني أنا والله سبحانه وتعالى راضون عن ابنتك نفيسة».
وقد بلغت السيدة نفيسة سن الخامسة عشرة وتزوجت ابن عمها اسحق المؤتمن عام 161هـ، وأنجب منها القاسم وأم كلثوم، وقد قامت السيدة نفيسة طوال اقامتها بالمدينة المنورة تنهل من العلم والعبادة وأقامت مجلسا للعلم وتعليم القرآن الكريم وتفسيره وأدت الحج 30 مرة.
وفي سنة 193هـ، رحلت السيدة نفيسة مع أسرتها إلى مصر، وعند سماع المصريين بقدومها خرجوا إليها بالخيول والمشاعل عند مدينة العريش مرحبين بها. وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة في 26 رمضان من هذا العام، ورحب بها أهل مصر، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات، فخرجت عليهم قائلة «كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى». ففزعوا لقولها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخل والي مصر السري بن الحكم وقال لها «يا ابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه». فوهبها دارا واسعة، وحدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع. فرضيت وبقيت.
كانت السيدة نفيسة عالمة متحدثة يحضر مجلسها كبار العلماء من بينهم الإمام الشافعي الذي حرص دائما أن يزور السيدة نفيسة وهو في طريقه إلى حلقات دروسه في مسجد الفسطاط وفي عودته إلى داره، وكان يصلي التراويح إماما في مسجدها، وكانت تستقبله من وراء حجاب في مناقشة مسائل الفقه والحديث.
وقد أقامت السيدة نفيسة بمصر قبرها بیدها داخل دارها، وقد ختمت القرآن الكريم 190 مرة داخل القبر، وقد توفيت رضي الله عنها في أول جمعة من رمضان بعد أن اشتد عليها المرض وتمنت ان تموت وهي تقرأ القرآن وهي صائمة، وقد استجاب الله لدعائها وفاضت روحها الطاهرة وهي تقرأ سورة الأنعام حتى وصلت لقوله تعالى (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون).