منذ دخل الحقد قلب قابيل، فطعن صفاء البشرية بسيف الحسد والطمع، وأريق على الأرض أول دم سفك ظلما، بدأت عجلة الحرب تمضي في طريقها الأعمى، تزرع الخراب، وتحصد الأبرياء، وتشرد الأحباب، فما عرفت أمة الحرب يوما إلا وقد عرفت معها اليتامى والثكالى والركام.
لم تخل حقبة من التاريخ من لهيب الصراع، من حروب الإغريق والرومان إلى حروب العصور الوسطى، ثم حربين عالميتين أحالتا أوربا إلى رماد، وأريق فيهما من الدماء ما تعجز عن حسابه آلة، ولا يتخيله عقل.
يقال إن بعض الحروب ولدت تقدما! فهل يغفر لصناعة الطائرات أنها بدأت فوق مدن محترقة؟ وهل يغسل الطب دمه إذا نشأ في الخنادق؟ كلا فالعلم النابع من الصرخات والنيران، كالماء من السراب شكله واقع، وحقيقته خداع.
ومع ذلك حين تفرض الحرب فرضا على شعب مسلوب، حين يتجبر المحتل بنيرانه على غزة الصمود، حين يدفن الأطفال تحت الأنقاض، وتذبح الأحلام على أعتاب الهمجية، يصبح عزاؤنا الوحيد أن الدم لا يضيع، وأن ساعة القصاص آتية، وأن الكيان الذي هدم البيوت، سيراها تهدم عليه، والذي سفك الدماء سيرى نزيفه.
ليست الحرب خيرا، ولكن في بعض الشرور عزاء، وفي بعض الألم عدالة، وفي بعض الدمار تثبيت لميزان الكرامة، تبقى الحرب نذير شؤم، لا طهر فيها ولا براءة، لكن حين لا يكون للحق من سبيل إلا النار، تصبح النار مخرجا لا مبدأ.