هل «الفضيحة» فعل يكشف الآخرين؟ أم أنها مرآة تعكس هشاشتنا نحن؟
لعل من يطرب للفضائح ويبحث عنها بين الناس إنما يفتش في داخله عن معنى مفقود، أو يحاول أن يجد ما يستر به نفسه المريضة بفضح الآخرين، والسعي للنيل من سمعتهم بأي شكل وصورة وإن كان ذلك من باب تعويض النقص، ومحاولة الظهور بمظهر الأفضل.
يرى بعض الباحثين أن الرغبة في فضح الغير يعتبر امتدادا لحاجة داخلية لشعور بالتفوق، وكأن المرء لا يثبت ذاته إلا بانتقاص سواه، أما من جهة الأخلاق، فإن الفضيحة هي الوجه المظلم للحرية وفهم غبي لها، فقد تتحول الكلمة من أداة للتعبير، إلى سكين تمزق الأعراض، وتسيء للآخرين.
هنا يتساءل الفلاسفة: هل من حقنا أن نعري إنسانا بزعم أننا نكشف الحقيقة؟ سقراط كان يربط الفضيلة بالمعرفة، فهل في الفضيحة أي فضيلة أو معرفة؟ ونيتشه رأى أن الأخلاق تصنعها القوة، فهل الفاضح أقوى أم أضعف لأنه استتر وراء ضعف الآخرين؟ كذلك كانط الذي جعل الكرامة جوهر الأخلاق، يضعنا أمام ميزان واضح، هل تقبل أن يعامل الناس أسرارك كما عاملت أسرار غيرك؟
لعل الفضيحة في عمقها ليست سوى امتحان لنا جميعا كيف نرى الآخر، هل نراه إنسانا يخطئ ويصيب، أم مادة للعرض والتسويق، إننا حين نفضح إنسانا نشارك في فعل جماعي يقتل الثقة بيننا، ويجعل المجتمع غابة من الأفاعي المترصدة لكل زلة أو صوت خارج السرب.
هل يمكن أن يأتي يوم نكف فيه عن فضح بعضنا، أو الإساءة للآخرين عبر ترديد الإشاعات وما نسمعه من غيرنا، وهل يمكننا أن نرى في الستر فضيلة لا ضعفا؟
الواقع أن التاريخ يخبرنا من حياة الشعوب، أن الفضيحة ستبقى أمرا يلاحق الإنسان ما دامت هناك نفسيات تعاني من التفاهة والسخافة والانحطاط، بعيدا عن القيم الأخلاقية الراسخة والنابعة من تعاليم الدين والعادات والتقاليد المحترمة، فأين نحن من «الفضيلة» بعيدا عن أوهامها؟!