تتوافر مجموعة من الاعتبارات الحاكمة التي تقود حركة المجتمع، بل تحدد وجهته السليمة، وترسم في أغلب أحيانها معالم الطريق لأفراده ما التزموا بها وتمثلوها، نتفق جميعنا على حاجة المجتمع الإنساني للقيم التي تمده بالمناعة، وتفرض له الحماية، وتجد مكوناته في هذا الفضاء المشبع، البيئة الصالحة لمواصلة الحياة واستدامة التدافع البشري، وهذه القيم - ولاشك - يتساوى فيها مجتمع الإنسانية مهما اختلفت صوره، وتباينت أشكاله، وتداخلت مسمياته.
والعمل الخيري - وكما هو معلوم - سلوك سوي يندرج ضمن تلك القيم الحاكمة، بل تكون له الغلبة في كل الأحوال، بعدما تمكن من حجز مكان الصدارة التي تحشد من حوله الأعوان والتبع، فالنفس البشرية تركن في الغالب لما يشابه فطرتها، فتنجذب بطبيعتها لما يلامس الجانب المضيء فيها، حينها تسمو عن الدونية، وتنجو من درك الشقاء، ولعل ما أكسب العمل الخيري الكويتي بأذرعه المتشعبة مكان الصدارة، وأضفى عليه هذه الخصوصية، قدرته على المنح والعطاء، وعبقريته في أن يهب بلا مقابل، مع ما يربيه في نفس المشتغلين به من أنساق أخلاقية إيجابية من إنكار الذات، والتعاون على البر والتقوى، والشعور بآلام الغير، والنظرة الإيجابية، والتي هي السبيل لتكوين مجتمع الفضيلة الخالص، وإشاعة روح المحبة والسلام على الأرض.
ما يبهر حقا في تواجد العمل الخيري الكويتي بهيئاته المتنوعة، هو حرصه على صوغ جملة من المعاني التي يكافئ بها المجتمع الإنساني، حين جعل من فعل الخير، وبذل الوسع، ومساعدة المحتاج، دستور تعايش ومنهج تآلف بين الناس كافة، ووسما يميز أولئك الذين وهبوا غيرهم أسباب الحياة، وأسهموا في تغيير واقعهم المأزوم، وبث روح جديدة تعيد الاستقرار، وتدعو للرحمة، وتعمق أواصر الحب بين فئات المجتمع، وتربط بينهم برباط من الأخلاق، التي ترى في نشر الخير، رسالة لابد أن تؤدى ويعم نفعها، وتبسط مظلة الرحمة بالتساوي، فلا تفرق في العطايا بين جنس ودين أو عرق ولون، بقدر سعيها لاستيفاء حاجة الفقراء والمساكين ومساعدتهم على التعافي.
إن تعميم أفكار الخير هو الضمانة التي يتقوى بها أي المجتمع، ويتحفز لمواجهة مشاكله الداخلية، أن يتطهر من أدرانه، أن يكمل مسيره، إن المجتمع الذي يكفل الغني الفقير، هو ذلك المجتمع الآمن الذي سلم من كوامن الصدور، ونجا من صراع الطبقات، وعنف المشاحنات، هو مجتمع سليم تمد فيه موائد البر ليرتع منها العاجز والمحتاج، اليتيم والأرمل والمسكين، هو مجتمع تنحسر عنه بوادر الجريمة، وتظلله ملائكة السلام.
لقد حف ديننا الحنيف العمل الخيري برعايته، وأرشد لمسالكه، وربى أبناء الأمة على ثقافة العطاء والتضحية، ليصبح إرثا قيميا متأصلا، وسلوكا إنسانيا عاما، تحرص عليه وتتناقله جيلا بعد جيل.