إن قراءة الواقع الدولي ليس «ترفا فكريا» وليس مشروعا للتسلية الكلامية إذا صح التعبير، فالعالم متداخل مرتبط مع بعضه البعض وهناك تأثير وتأثر متبادل وخاصة مع قرارات الدول الكبيرة صاحبة النفوذ الفكري والسياسي والأمني والعسكري، فما يحصل في نطاقها المحلي سيؤثر علينا او سيعطينا الدروس لما يجب علينا ان نعمل عليه في خط التطبيق؟
إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تدرس منح مكافأة تبلغ 5000 دولار لكل أم أميركية بعد ولادة طفلها، وذلك ضمن عدة مقترحات ينظر بها البيت الأبيض لمواجهة انخفاض معدلات المواليد في الولايات المتحدة، وكانت تلك المسألة كذلك ضمن وعود الرئيس الانتخابية، حيث دعا آنذاك لدعم زيادة المواليد وكذلك كان إلى حد كبير ضد الإجهاض وسعى إلى خفض تكلفة التلقيح الصناعي أو أطفال الأنابيب.
ان هكذا مطالب واقتراحات ضمن التيار الشعبي الذي يقوده الرئيس ترامب الداعي للقومية الأميركية وابعاد المهاجرين وعدم الاعتماد عليهم وتقليل الحاجة لهم في تشغيل المؤسسات الاقتصادية والخدمية وإدارة المجتمع في مجالات العمل المختلفة واستبدالهم العناصر المحلية الأميركية بهم حصرا، لذلك هناك حاجة لزيادة اعداد المواليد والشباب لتطبيق تلك الرؤية، ومنها خرجت هذه الاقتراحات ليتم تعزيز دور الدولة الأميركية في هذا المجال، والمفارقة اننا كـ «دولة» كويتية كنا سباقين في هذا المجال، حيث دعم الزواج ماليا في قرض من دون فائدة والرعاية السكنية للمواطنين بعدها وتقديم اجازات الامومة.. إلخ.
ان علينا كـ «كويتيين» ان نحافظ على مكتسبات موجودة لدينا ضمن دولة غنية، فرعاية المواطن كفلتها لنا الدولة، وهذه ميزة كنا سباقين فيها على الكثير من الدول والتي تعيش شعوبها المأساة في خط الحياة اليومية ومعيشتها. إن علينا ان نعرف ان الأوهام الإعلامية وحركة الدعاية الموجودة على وسائل الاعلام لهذا البلد او ذاك ليس بالضرورة تعكس حقيقة الواقع وتحديدا ما وصلت اليه المجتمعات «النيوليبرالية» من كوارث على عدة مستويات فردية ومعيشية واقتصادية واجتماعية، وخاصة ما يرتبط بغياب «مؤسسة الاسرة» و«دور الاب والام» هناك، ولعل هذا الامر جعل «الترامبية» كـ «سلطة حاكمة» تتوجه إلى التفكير لتشجيع الإنجاب وإعادة انشاء مؤسسة الاسرة بعد تفكيكها وانهيارها بعد دخول النيوليبرالية على الخط والتي معها أخذت المرأة والرجل يعيشان دوامة العمل المتواصل والضرائب الجنونية المرهقة وذهاب الاعمار الزمنية الذي أخذ يدفع في تأجيل الزواج وتعطيل الانجاب والذي معه أصبحت الاعداد البشرية تقل وتنخفض.
الدرس من كل هذا الكلام هو أن التاريخ يقدم لنا الدليل على ان غياب رعاية الدولة عن المواطن يصنع المأساة ويفجر الكارثة، وهذا ما حصل بعد الحرب العالمية الأولى في أوروبا، وما حصل بعد انهيار منظومة دول الاتحاد السوفييتي.
كـ «كويتيين» علينا ان نعرف ان الترامبية تقول لنا: ان الصراع في العالم هو «قومي» وان الحامي لنا هو التمسك بـ «الدولة» ومؤسساتها وحكم القانون فيها.