في زمن تتسارع المتغيرات، وتتداخل الأصوات، يبرز سؤال ملح: أين صوت المثقف الكويتي؟ وأي دور يمكن أن يلعبه في مرحلة تتطلب أكثر من مجرد متفرجين على المشهد؟
لقد كان المثقف الكويتي، تاريخيا، حارسا للمعنى، وشاهدا على تحولات المجتمع، بل ومشاركا فاعلا في تشكيل الوعي العام. أما اليوم، ومع تمدد الأزمات وتراجع الثقة، فإن الحاجة إليه أصبحت أكثر من أي وقت مضى.
المجـتمع الكـويتي يتمــتع بمستــوى تعليــمي عال، ووعي اجتماعي لا يستهان به، لكنه يواجه في الوقت نفسه تحديات عميقة في الفكر والسلوك والتفاعل. هناك شعور عام بأن الصوت العاقل بات هامشيا، وسط تصاعد نبرة الانفعال، وانتشار الخطاب العاطفي، واختلاط الحقائق بالآراء.
لم يعد التحدي في نقص المعلومة، بل في تراجع الثقة بين الناس، وتباعد الأجيال، وضياع البوصلة الفكرية. وهنا يأتي دور المثقف، لا كمنظر بعيد، بل كمشارك في قراءة اللحظة، وفهم عمقها، وتقديم خطاب يعيد ترتيب الأولويات.
لقد انسحب بعض المثقفين إلى العزلة، إما بسبب الإحباط أو الخوف أو الشعور بعدم التأثير، لكن اللحظة الراهنة لا تسمح بالغياب، فكل صوت مسؤول، وكل فكرة موزونة باتت ضرورة لا ترفا.
وسائل التواصل الاجتماعي منحت المثقف منبرا جديدا، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام اختلاط المعايير. فهل يتابع الناس من يفكر أم من يثير؟ هل نكتب من أجل التفاعل، أم من أجل الحقيقة؟ الفارق كبير، ومسؤولية المثقف أن يستخدم هذه الأدوات لا ليصبح مؤثرا فقط، بل ليبقى مثقفا.
الكويت كانت دوما منارة ثقافية في الخليج والعالم العربي.. امتلكت الصحافة الرائدة، والحراك الثقافي المتنوع، والنقاش العام الواعي. لكنها اليوم بحاجة إلى مشروع ثقافي جديد، لا شعارات مستهلكة. مشروع يتسع لكل مكونات المجتمع، وينتج سردية جامعة من دون أن تقصي أحدا أو تذيب الاختلاف.
إن المثقف الكــويتي مطــالــب بأن يبقـي جذوة الوعي مشتعلة، وأن يكون لسان العقل حين تعلو الضوضاء، أن يكتب لا من موقع فوقي، بل من موقع الإنسان المنخرط، المشارك، الموجِّه، لا الموجَّه.
الناس في زمن التعب لا تبحث فقط عن حلول، بل عن صوت يطمئن، فكرة تضيء، وكلمة تعيد المعنى لما فقد معناه. وهذا تماما هو دور المثقف: أن يكتب حين يصبح الصمت نوعا من التواطؤ، وأن يفكر حين يتوقف الجميع عن التفكير.
شخطة قلم: في أوقات التحول قد يصمت الكثير من الأصوات، لكن المثقف الحقيقي لا يسكت، بل يشتغل على الكلمة، وينحتها لتكون موقفا لا مجرد رأي. قد لا يحدث ضجيجا، لكنه يترك أثرا يتغلغل ببطء وثبات في الضمير الجمعي.
«في زمن الصمت، تكون الكلمة موقفا.. لا صوتا فقط».
وهكذا تبقى الكلمة الصادقة مسؤولة، ويظل المثقف الكويتي مطالبا بأن يكون مرآة للوعي لا مرآة للواقع فقط، وضوءا يبصر به الناس طريقهم حين يشتد الغبار.