إذا أقبلت الفتنة من بعيد عرفها كل عالم وكل عاقل، ولكن السفهاء والحمقى ـ وهم من أيقظها ـ لا يعرفونها إلا حين تطحنهم برحاها، وتحرقهم بنارها، وتنتشر في كل مكان انتشار النار في الهشيم.
فإن الفتن لا يوقظها عالم.. ولا عاقل.. بل يوقظها الجهلاء.. والحمقى.. والسفهاء.. والحاقدون.. والمنافقون والخبيثون، ولكنهم لا يلبثون أن يصطلوا بنارها وهم لا يشعرون، فهم صم بكم لا يبصرون..
لا يوجد أبشع من الفتن على مستوى المجتمعات والأمم، وعلى مستوى الأهالي والأسر أيضا، حيث قد يشعلونها على أوهى سبب وأوهن إشاعة!
ويثيرونها بين الأشخاص يحسبون ـ لجهلهم ـ أنهم يحسنون صنعا ولا يدركون سوء عملهم إلا بعد فوات الأوان لأن الفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء وإذا أحرقت عرفها السفهاء، فالحمقى، والسفهاء، والجهال، هم من يوقظون الفتن ويوقدونها ولا يشعرون بنارها حتى تحلق حياتهم وتحرق أجسادهم:
إذا غلب الشقاء على سفيه
تنطع في مخالفة الفقيه
العرب والمسلمون قديما أخبرونا عن أخطار الفتن وأضرارها، لأن دينهم الحنيف وضحها لهم وأمرهم بلزوم الجماعة ووأد الفتنة، ولأن تاريخهم الطويل كان مليئا بالفتن.
واعلم اذا كثر الحمقى والسفهاء والجاهلون والمنافقون في مجتمع من المجتمعات، فقد أذن الله بخرابه وفساده لأن هؤلاء فاسدون في ذواتهم، ويعدون بفسادهم الدهماء من الناس، وينشرون الإشاعات والأكاذيب ويثيرون المشكلات على كل المستويات: بين الأصدقاء، والأهل والأسرة والأصحاب، فيزحف ذلك الفساد راكبا مطية الفتنة فلا يدع أحدا إلا آذاه وأصابه بشر..
قد يقال: وما مصلحة السفهاء المنافقين والحمقى والجهال من نشر الإشاعات وإثارة الفتن وتوغير القلوب وإفساد الناس
على الناس؟
الجواب هو، أن كثيرا من السفهاء والحمقى والجهلة طبعهم هكذا، ينطبق على السفيه الشديد السفاهة منهم قول الشاعر:
يسطو بلا سبب
وتلك طبيعة الكلب العقور
كما أن الأحمق لا يميز بين ما ينفع وما يضر، ولهذا قالت العرب:
«عدو عاقل خير من صديق أحمق..»
كذلك فقد أجمع العقلاء في القديم والحديث على أن البطر وازدراء النعمة ظلم عظيم، ويؤدي إلى زوال النعمة..
وأن الشكر هو أسهل وأجمل وسيلة للسعادة، وبالشكر تزيد النعم..
أما المعاصي وبث الشائعات الكاذبة والافتراء على الغير والعمل على إيقاظ الفتنة فإن هذا كله يزيل النعم ويزيد التخبط ويودي بصاحبه إلى المهالك، وإذا زاد الذين لا يشكرون نعمة الله ولا يقدرونها ولا يثمنون ما هم فيه من رخاء وأمن واستقرار فينعقون، ويتبعون كل ناعق، فهؤلاء هم خراب السفينة وسبب زوال النعمة.
والمقرود هو الذي يشبه القرد في عقله، فكأن عقل مثير الفتنة أقبح من القرد إذا ما عمي القرد!
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب).
وأفضل طريق للنجاة من صنوف الفتن هو التمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما روي ذلك عن علي مرفوعا: ستكون فتن، قيل: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم.