لا تكن إمعة، فالمؤمن الحقيقي لا يكون ضعيف الشخصية، مهزوز الثوابت، متضعضع القرار، إذا جلس في مجلس يتكلم بلسان أهله، أو ينقاد لكل من يراه أو يصاحبه.
فالإنسان أفضل خلق الله والمخلوق الوحيد الذي كرمه الله بالعقل، ولأنه مخلوق اجتماعي بطبعه فقد خلق الله لسيدنا آدم حواء لتؤنس وحشته، وخلقنا نحن البشر جميعا لبعضنا البعض بغية أن نؤنس وحشة الطريق الذي نسلكه في هذه الدنيا.
ولكن الكثير من البشر من حولنا، يعتبرون بعض من حولهم اليد العليا، طالبين في ذلك رضا في غير محله، وحبا في غير موضعه، وانكسارا يخذل صاحبه أكثر مما يفيد، وكل هذا لأجل ماذا؟
فقط كي يقبله الناس ويحبوه ويسمحوا له بالانضمام لقطيعهم المكرر منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، هذا القطيع الذي ذكره القرآن في قوله تعالى (قالو وجدنا آباءنا لها عابدين)، مخلدا بذلك هذا الرد الساذج الذي يلغي أي اعتبار للعقل والمنطق، متجهين مع القطيع الذي لا يعلم وجهته، مستظلين بمظلة التقليد الأعمى إرضاء للمجتمع من حولهم الذي هو نفسه لا يعلم إلى أين يسير!
وليس مهما لهؤلاء الهدف ولا الغاية ولا النتائج!
وما مصطلح الإمعة في ديننا إلا مثال لذاك الذي يسعى لإرضاء هذا وذاك متلونا بشخصيات مختلفة كي ينال الرضا ـ المستحيل ـ وحتى يبقى تحت جناحهم ولا يلفظوه من قطيعهم.
فكم من طفل دمرت شخصيته ارضاء للناس! وكم امرأة ذابت في مجتمع ليس مجتمعها دون تمييز لما فيه كي يتقبلوها وتصبح واحدة منهم! وكم من قروض استدينت من البنوك لشراء منزل أو سيارة فخمة، لأجل من؟ لأجل إرضاء الناس، وكم من شاب وقع في حبائل المخدرات والمسكرات تقليدا لغيره! وكم من شاب وقع في الفاحشة تأثرا بصحبته!
كم من بيوت خربت، كم من شخصيات دمرت!
كالبهائم للأسف التي ينعق لها راعيها، وليس لها علم بما يقول!
ذلك فقط للحفاظ على صورة مزيفة أمام الناس، بغية رضاهم! ويا ليتهم رضوا! كم من وجوه تبدلت لمصلحة أمامك وكم من لحوم نهشت بالنميمة والغيبة في غيابك.
كم من حياة لم نحيها إرضاء لهؤلاء الناس، وكم من حياة لن نحياها ما دمنا في صراع مع أنفسنا لإرضاء الناس أيضا!
ومنذ الأزل كانت الشريعة الإسلامية تحذر من التقليد الأعمى والتبعية، وتدعو للتفكر والتأمل الدقيق في جميع شؤون الحياة قبل الانزلاق في منحنيات الضلال.
لا تكن إمعة، بل كن أنت، إذا كنت أنت في ذاتك، تبدع بذاتك لذاتك.