ما أثقل أن تكتشف، فجأة، أن من شاركتهم ضحكتك ودمعتك، جلساتك الطويلة، وأسرارك الصغيرة.. قد نسوك بسهولة، كأن كل ما كان، لم يكن.
كأنك مررت في حياتهم مرور ظل، لا روح.
ســريعــا، تهون العشرة، وكأن الزمن الذي جمعكم لم يكن سوى سطر عابر في كتاب لم يفتحوه قط.
مؤلم أن تكتشف أن البعض لا يمنح الأيام معناها، ولا للأوقات قيمتها، تمر اللحظات الجميلة عليهم كأنها لم تخلق، وكأنها ليست شاهدا على شيء كان حقيقيا.
هؤلاء الذين لا يحملون لك ذكرى، لا لأنك لم تكن جميلا، بل لأنهم لم يعرفوا يوما كيف يقدرون الجمال.
وأسوأ ما يمر على الإنسان أن يستبدل حين تنتفي مصلحته، أن ينسى وهو من وقف سندا لا ينتظر منه المقابل، أن يمحى من ذاكرة أحــدهم بعد أن كان له ملجأ وقت الانكسار، أن يدفن في نسيان من بكى أمامه قبل أن يضحك بجانبه.
وما هو أوجع من الخذلان، إلا ذلك النوع من البشر الذي يرى نورك فيخافه، يغار من قوتك الهادئة، من حضورك الذي لا يستأذن، من نجاحك الذي لا يشبه نجاحه.
فيحاول أن يشوهك، لا لأنك سيئ، بل لأنك تذكره بضعفه.
يخاف أن تفضحه المقارنة، أن يرى الناس صورته الحقيقية بجانب وضوحك.
فيبدأ بتمزيقك على مهل!
كلمة هنا، تشويه هناك، غمز في مجلس، سخرية خبيثة في غيابك، لأنه لا يملك إلا هذه الأدوات، وهنا هو لا يحاربك، بل يحارب شعوره بالنقص حين يراك.
يقولون: «في كل شر خير».
وأنت تتعلم من هذا الشر.
ترى الوجوه على حقيقتها، وتسقط الأقنعة، وترفع قيمة ذاتك أمام عينيك أولا قبل أعين الناس، تصبح مثل الشجرة في فصل الخريف التي تتخلى عن أوراقها اليابسة، المريضة، تلك التي لم تعد تنتمي لها.
لا لأنها لا تحتاج للأوراق، بل لأنها تستعد لأن تنبت أوراقا جديدة، صحية، منسجمة مع جذورها النقية.
فالخذلان، رغم مرارته، درس.
والتخلي، رغم قسوته، نعمة مقنعة.
وكل من غار منك أو خاف منك أو أساء إليك، لم يقصك!
بل دفعك دون أن يشعر نحو نضجك، نحو نقائك.
لذلك، كن ممتنا لكل من كشف لك وجهه الحقيقي، حتى لو جرحك، وكن أكثر امتنانا لنفسك، لأنك لم تتغير مثلهم وبقيت نقيا، رغم كل ما سقط حولك.
كما لا تنسى: القلوب الصافية لا تخسر أبدا، هي فقط تنجو.