ليتنا ندرك مبكرا أن الاحترام ليس دائما فضيلة إذا أفرط فيه لمن لا يقدره، ثمة أرواح نفسدها بأيدينا، نعم بأيدينا نحن!
لا لأننا آذيناها، بل لأننا بالغنا في توقيرها، في الوقت الذي كانت لا تملك من القيمة ما يستدعي كل هذا الإكبار.
هناك أناس، حين نمنحهم مقاما رفيعا في القلب، يظنون أن العلو حق مكتسب، لا هبة شعورية جاءت من طهارة نوايانا.
نغدق عليهم الحضور، ونزن كلماتنا بميزان الذهب حين نخاطبهم، ونلتمس لهم الأعذار مرارا، فإذا بهم يتمادون، ويغترون، ويحسبون أنفسهم فوق النقد أو التوبيخ أو الخذلان!
فليس كل من احترمناه كان عظيما، بعضهم تضخم في أعيننا لأننا نظرنا إليه من زاوية التقدير لا الحقيقة، ولأننا مع الأسف ترفعنا عن صغائرهم، رأيناهم كبارا، مع أنهم لم يكونوا يوما كذلك.
وما أصعب أن تكتشف متأخرا أنك كنت تضع من لا قيمة له في مكان عال لا يليق به، وأنك أسهمت دون أن تدري في صناعة غطرسة باردة لا تعرف للامتنان سبيلا.
أحيانا، لا يكون الخطأ فيهم وحدهم، بل فينا نحن، نحن من أعطينا بلا شروط، ومنحنا بلا حدود، وصمتنا طويلا كي لا نكسر هيبة العلاقة أو نخدش سكينة القلوب.
ولكن حين يساء فهم الصمت، ويفسر الأدب ضعفا، والاحترام خنوعا، فإن النتيجة تكون مؤلمة: تتورم نفوسهم بالزيف، وتتعثر أرواحنا بخيبة لم نكن نستحقها.
الاحترام قيمة، نعم، لكنه يفقد جوهره حين ينثر على أرض لا تنبت عرفانا، ويغدو عطاء مجحفا حين يهدر في قلوب لا تجيد سوى الأخذ.
فالكثير من الناس لا يتغيرون إلا حين تنسحب، حين تكف عن التجمل لهم، وحين يرونك وقد نفضت عن كاهلك ثقل توقيرهم، وبدأت تضع كل شيء في مكانه الصحيح.
لنتعلم أن الاحترام لا يعني أن نذيب ذواتنا لإرضاء من لا يرى وجودنا، ولا أن نغض الطرف عن الأذى خوفا من جرح مشاعر من لا يشعر.
فبعض العلاقات لا تنجو إلا حين نعيد ضبط موازينها، ونقيس التقدير بمقدار ما يقابله من صدق وتواضع وامتنان.
ليس في الانتقاص من أحد شرف، ولكن في حماية كرامتنا شرف أكبر، فلنحسن التقدير، لا لضعفهم، بل لقيمتنا نحن.
ختاما، قليل جدا من يستحق.