في هذا العالم المتقلب، حيث تذبح الكرامة على مذابح الفضول، يمضي الناس بأعين مفتوحة وقلوب مغلقة، ينهش بعضهم بعضا باسم «الحقيقة» أو بدافع «الفضيحة»، لكن الحقيقة ليست دائما نورا، وقد يكون للفضيحة ألف ظل من ظلال الظلم والتجني. فما أشد ما يحتاجه هذا الزمان إلى التروي، إلى ستر لا يخون، وإلى ضمير لا ينام على أنين من جرد من ستر الله.
لا تشترك في فضيحة: قد تكون كلمة، أو همسة، أو حتى «إعادة إرسال» عابرة على هاتفك الذكي، لكنها عند الله ليست عابرة، بل شاهدة. الشائعات ليست مجرد حروف متناثرة، بل خناجر في ظهر الغافلين، ونيران تشعل الحطب في بيوت الناس الآمنة.
إن الستر من أسماء الله، فكيف يرضى المؤمن أن يكون في صف من يهتكه؟!
هل نسينا أن الله قد سترنا مرارا؟
هل نأمن على أنفسنا أن يكشف غدا ما خفي عنا اليوم؟
نحن لسنا في تمام الصلاح، لكننا مستورون. وهذه النعمة وحدها تكفي لنخر لها ساجدين شكرا، لا أن نرفع أستار الآخرين بأيدينا المرتجفة بالذنب نفسه.
أولئك الذين يسارعون في كشف العيوب، لا يعلمون أنهم يسقطون أقنعة أنفسهم قبل غيرهم. فالنفوس العظيمة لا تجد في عثرات غيرها لذة، بل تتألم لها. النفوس الطاهرة لا تشيع الخطأ، بل تبتهل أن يمحى، أن يصلح، أن يعفى عن صاحبه كما نتمنى لأنفسنا العفو يوم نقف حفاة خائفين تحت عين الحق.
لا تقرأ ما لا يعنيك.
لا تنقل ما يفرح الشيطان ويبكي قلبا مكسورا.
لا تتحدث عن عرض أو شرف أو لحظة ضعف.
لا تسهم في كشف ستر أكرمه الله بالخفاء.
لا تسمح للغيبة بأن تلقي في مجلسك بذرتها، فإنها تنبت نارا لا ماء لها.
تذكر: ما ترسله اليوم من كلمة، يعود إليك يوما في صورة موقف، أو فضيحة، أو دمعة.
والستر الذي تعطيه، يعيده الله إليك حين تحتاجه أكثر من الهواء.
رفقاً بقلوب البشر…
فبعضهم يصارع في الخفاء ما لو كشف لخر الناس من هول حزنه، لكن الله حنان، ستار، رفيق، لا يحب الهتك.
فلنكن عبادا يحبهم الله، بسترنا، برأفتنا، بصمتنا عن زلات غيرنا، فربما كانت زلته طريق توبته، ولكننا بجهرنا نحطم هذا الطريق.
اختم مقالي هذا بقلبك قبل عقلك: لا تسهم في كشف الستار، فالذي سترك قادر على أن يكشفك، إن شئت أو لم تشأ.