يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
إن من تمام الإيمان، أن توقن في قلبك أن تدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك، وأنه يعلم وأنت لا تعلم، ويرحم وأنت لا تبصر، ويعطي ويمنع لحكمة، ويبتلي ويبتسم بلطفه في كل ما يقضي.
الثقة بالله.. ثمرة اليقين والرضا، فالمؤمن حين يرضى بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ نبيا، فإنه يسلم قلبه لتدبير الله، فيعيش مطمئنا، راضيا، ساكنا، ولو كان في عين العاصفة.
تأمل في قصة موسى والخضر عليهما السلام.. مشاهدها الثلاثة تختصر فلسفة القضاء والقدر:
٭ السفينة التي خُرقت: كانت كسرتها ابتلاء مؤقتا لدفع بلاء أعظم.
٭ الغلام الذي قُتل: ظاهره شر، وباطنه رحمة بالأبوين وبالغلام ذاته.
٭ الجدار الذي أُقيم: نعم مدخرة، أخفيت بلطف الله حتى يحين أوانها.
وما بين الكسر والقتل والبناء، تمشي الحكمة خفية، لا يراها إلا من نظر بعين الإيمان.
ومن ألطاف الله الخفية أن الله لا يبتليك دائما ليؤلمك، بل يبتليك لينقذك، ويدفع عنك ما هو أشد، وقد يمنع ليعطي، ويؤخر ليعجل، ويبهم الحكمة لتصفو القلوب باليقين.
ففي كل ابتلاء لطف، وفي كل منع عطاء، وفي كل قدر رحمة وإن خفيت:
ربما تأخر الزواج لأن في التعجيل فتنا لا تراها، وربما حرم الإنسان من وظيفة ظنها خيرا، وفيها ما يفسد دينه أو قلبه، وربما أغلقت أبواب، لتفتح أبواب لم تخطر له على بال، وربما حرم من تخصص كان يحلم به، ويسعى له، وخطط بكل ما أوتي من عقل وجهد لأجله.. ثم يغلق الباب فجأة.
تظن أنها خسارة، وتشعر بالخذلان، وقد تعتب على القدر أو تجهل الحكمة.. لكن ما لا تراه الآن، سيريه لك الله يوما، وستقول حينها من أعماق قلبك:
«الحمد لله أن الأمر لم يتم».
فما اختاره الله لك، خير مما كنت تختاره لنفسك، وإن لم تفهمه الآن، لكن ثق أن الخير لا يختبئ فقط فيما نحب، بل كثيرا ما يسكن في قرارات لم نخترها.
إن منطق السماء.. لا يقاس بمنطق الأرض.
قال ابن القيم رحمه الله:
«مصلحة العبد فيما يكره، أكثر منها فيما يحب، وكثير من محبوباته تحمل في داخلها أسباب هلاكه، وكثير من مكروهاته تحمل له مفاتيح السعادة».
إنك لا ترى من المشهد إلا طرفه، أما الحكيم الخبير، فيرى المآلات والنهايات، ويدبر الأمر كله لطفا ورحمة، حتى قال بعض السلف: «لو كشف الحجاب، ما اخترنا إلا ما اختاره الله لنا».
إن الرضا بالله هو جنة المؤمن في الدنيا، من دخلها فقد ذاق طعم الإيمان، وعاش في سكينة لا تشبهها سكينة.
فإن ضاقت بك الدنيا، أو نزل بك ما تكره، فقل بثقة وطمأنينة:
«اللهم اختر لي، فأنت أعلم وأرحم وأحكم».