ما من دور في هذه الحياة يضاهي في أثره، أو يسمو في جوهره، أو يزدهر في عمقه، كدور الأم. إنها ليست مجرد امرأة أنجبت، بل روح تنبض بالحياة في جسد المجتمع، نبض إذا اختل اضطرب الوجود، وإذا استقام استقرت الحضارة، وسكنت النفوس.
الأم ليست عنصرا ثانويا في مشهد الحياة، بل هي الأصل، وهي الجذر، وهي النبع الأول الذي يروي الإنسان منذ لحظة التكوين الأولى، لا بماء ولا بغذاء فقط، بل بحب، برعاية، بتربية، وبتشكيل صامت للروح قبل أن تشكل الكلمات.
من أحضانها تتشكل النفوس، وعلى صوتها تنفتح أولى الحواس، وبحنانها يغرس أول درس في الحب، في الصبر، في التضحية.
إنها المعلمة الأولى، لا تحمل شهادة رسمية، لكنها تحمل شهادة الحياة بأكملها. تلقن القيم لا بمحاضرات، بل بسلوك، وبحضورها الصادق، وبنبل عطاء لا ينتظر المقابل.
هي التي تعلم أبناءها أن يكونوا بشرا قبل أن يكونوا ناجحين، أن يصدقوا قبل أن يتفوقوا، وأن يحملوا في قلوبهم الرحمة، لا الكراهية، وفي أيديهم البذل، لا الأنانية.
تأكد ان كل من يمشي في الأرض مستقيما، نبيلا، مؤمنا بالخير، خلفه أم أحسنت الزرع.
الأم لا تكتفي بأن تنجب، بل تزرع في كل طفل مشروع إنسان عظيم.
لولاها ما قامت القيم، ولا استقامت المبادئ، ولا سار الإنسان على طريق الخير بثبات.
هي قلب الأسرة النابض، تلم الشمل حين يتفرق، وتداوي الجراح حين تتسع، وتعيد الدفء حين تبرد المشاعر. لا تترك أحدا يسقط، بل تكون السند حتى لو كانت هي المنهكة.
تنقل التقاليد لا كجمادات، بل كروح تعاش، فتبقي جذور الانتماء حية، وتربط الماضي بالحاضر، وتمنح الأبناء هوية لا تشترى، وكرامة لا تكتسب إلا عبر حكاياتها، ونصائحها، وتضحياتها الصامتة.
حين تحسن الأم تربية أبنائها، فإنها لا تخلق مجرد أفراد، بل تنشئ أمة.
الأم القوية، الواعية، تنتج جيلا يعرف حدوده، ويصون كرامته، ويعرف كيف يسهم في مجتمعه لا كرقم، بل كقيمة. وإذا امتد عطاؤها إلى خارج بيتها، كانت شعلة في المجتمع، تنير طريق التغيير، وتسهم في تطوير الواقع.
الأم ليست نصف المجتمع كما يقال، بل هي أساس النصفين، هي البذرة والظل والثمر. هي من تنجب وتربي وتعد، ثم تطلق أبناءها في فضاء العالم ليكونوا نورا فيه، وعمادا لبنائه.
في الختام..
يا من تبحث عن أساس النهضة فتش في قلب الأم.
يا من تنشد التغيير ابدأ من البيت الذي تصنعه الأم.
واعلمي أيتها الأم أن كل حجر في صرح هذا المجتمع من صنع يديك.
وأن أعظم دور في التاريخ هو ذاك الذي لا يحتفى به كثيرا.. لأنها ببساطة أم.