في زمن اشتدت فيه وطأة الكلمات، وغدت الألسن سيوفا مسلولة لا ترحم، تأتي الآية الكريمة: (ولا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون - سورة يس، آية 76) كضماد إلهي على جراح القلوب، وكسِتر رباني يلقي على الأرواح الحائرة الطمأنينة، ويعيد إليها اليقين بأن الله مطّلع، عليم، لا تخفى عليه خافية، وأنه سبحانه أولى بالعبد من كل شيء.
(ولا يحزنك قولهم).. ليست مجرد مواساة عابرة، بل هي أمر إلهي بالثبات، ودعوة إلى التحرر من عبودية رأي الناس وأحكامهم. كأن الله يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ومن خلاله كل صاحب رسالة، وكل إنسان صادق في طريق الحق: لا تجعل همك ما يقولونه، ولا تسمح لكلماتهم أن تسرق منك سلامك. فقولهم زائل، وأنت على حق باق بالله.
القول قد يجرح، وقد يهز المرء من داخله، لكن ما يواسي القلب في هذه الآية أن الله لا يغفل عن شيء، لا عما يسرون في خفايا صدورهم، ولا عما يعلنونه جهارا. إنهم إن كذبوا في العلن، فالله يعلم ما أخفوه في السر. وإن نافقوا بألسنتهم، فالله يعلم ما تكنه قلوبهم.
وهل من عزاء أصدق من أن يكون الله هو العليم بسرك وسرهم؟ وهل من قوة أعظم من أن تستند إلى علم الله وعدله في زمن الظلم والافتراء؟
إن هذه الآية ليست مجرد بلسم للأنبياء، بل هي خطاب خالد لكل من آذاه الناس في قوله، لكل من حمل هماً في صدره من نظرة أو همسة أو تهمة. تقول لك الآية: لا تبالِ.. فالله يعلم. وهذه الكلمة وحدها كفيلة بأن تسكت ضجيج الداخل، وأن تشعل في القلب سكينة لا توصف.
عندما تقابل بالافتراء، أو يساء فهمك، أو يساء إليك ظلما، تذكر هذه الآية. فهي تقول لك بصوت الله: «أنا معك، وأنا أعلم، فلا تحزن».
وهل يخاف من كان الله عليمه؟ وهل يحزن من تكفل الله بإنصافه؟
ما أرحم الله حين يربت على قلب عبده بقوله: لا تحزن.
وما أعظم هذه الكلمة حين تصدر عن خالق الحزن ذاته!.