ما أثقل الكلمة حين تلقى على غفلة من القلب!
وما أوجعها حين تخرج من فم الأب أو الأم نحو الابن، لا في جلسة صفاء، بل في محضر الغير، وبين مسامع الناس! تلك اللحظة العابرة التي يفرغ فيها الوالد غضبه، أو تتحدث فيها الأم عن «حماقات ابنها» بتسلية ظاهرها المزاح، تصبح في ذاكرة الطفل وشما لا يمحى، وجرحا لا يلتئم، وصورة باهتة عن ذاته لا يعرف كيف يصلحها بعد أن كسرت أمام الجميع.
يا من رزقتم البنات والبنين، اعلموا أن أبناءكم أمانة بين أيديكم، بل هم أرواح نشأت على أعينكم، ونفوس تتشكل من نظرتكم إليهم، ومن طريقتكم في الحديث عنهم، ومعهم، ومن أجواء البيت التي تحيط بهم.
فإن كنتم أول من يهتك سترهم، فأين سيجدون الستر؟ وإن كنتم أول من يهينهم أو يجرحهم، فأين يجدون الكرامة؟ وإن كنتم أول من يعرض أخطاءهم للناس، فمن سيحتويهم إذا أخطأوا؟
أتعلم ما الذي يحدث حين تفضح ابنك أمام الآخرين؟ أنت لا تؤدبه كما تظن، ولا تصلحه كما تأمل، بل تزرع في قلبه خجلا لا يثمر حياء، وتبني بينك وبينه جدارا لا يهدم بسهولة.
تعرفه على نفسه في أسوأ حالاته، وتجعل من الناس مرآته، فيرى نفسه بعينهم، لا بعينك، ويظن أنه لا يستحق التقدير، لأنه لم يلقه من أقرب الناس إليه.
الناس يا سادة، لا ينسون، وذاكرتهم ليست كذاكرة الوالد حين يغضب ساعة ويصفو بعدها. الكلمة التي قلتها عن ابنك، مهما كانت بسيطة في نظرك، قد تصبح وصمة في مجلس العائلة، أو نكتة تتكرر، أو نظرة سخرية في كل لقاء، فيظل ابنك صغيرا في عيونهم، حتى إن كبر، ومخطئا في ميزانهم، حتى إن صلح. ويصبح ذلك العيب، الذي أخبرت به غيرك، تعريفا دائما له، لا يمحى مهما اجتهد.
فيا من تؤمنون بالتربية، اعلموا أن أعظم أساليبها الصمت حين يجب، والستر حين يسهو الأبناء، والحكمة حين تفيض العاطفة. ستر العيب أدب، وهو من شمائل العقلاء، بل هو تربية في ذاتها، لأن الأب حين يستر عيب ابنه، يعلمه أن الخطأ لا يفضح، بل يعالج، وأن الحب لا ينتقص مع السهو، بل يزداد بالتفهم.
ليس المقصود بالستر السكوت عن الخطأ، بل المقصود أن نحسن علاجه في وقته المناسب ومكانه الصحيح.
ومن الأجمل، أن تمدح أبناءك أمام الناس، وتشعرهم بالفخر، وتريهم أنك حائطهم إذا اهتزت الأرض تحت أقدامهم، وأنك المرفأ إذا أتعبتهم الأمواج، وأنهم ليسوا بحاجة إلى إقناع الناس بقيمتهم، لأنك منحتهم تلك القيمة أولا.
فكن حصن كرامتهم، لا سيف خجلهم، وكن ظلهم الذي يستر، لا يدهم التي تفضح.
أيها الآباء: إن الكلمة لا تكسر العظم، لكنها قد تكسر القلب، وإن الكرامة إن سقطت مرة، عانى المرء عمرا ليعيدها.