لا شك أنك سمعت عن مصطلح «الجندي المجهول»، وهو الشخص الذي يعمل في الخفاء، ويكون لما يقدمه من إسهامات جليلة دور كبير في أي مجال يعمل فيه. ولا يقتصر هذا المصطلح على الجانب العسكري في حياة الأمم، بل يتسع ليشمل مختلف جوانب الحياة بما في ذلك سوق العمل على سبيل المثال، حيث تبرز بعض الشركات وتكبر على أكتاف موظفين ألمعيين يبقيهم بعض أصحاب الأعمال أو الإداريين مخفيين عن الأنظار، ضمن علاقة غريبة تجمعهم بهم.
إن مثل علاقة غريبة ومعقدة كهذه تجمع المدير أو صاحب السلطة بالموظف صاحب الكفاءة العالية والأفكار المبتكرة والموهبة الاستثنائية التي تتمثل في إيجاد الحلول الإبداعية في أعتى الظروف الصعبة، وابتداع أساليب عمل تسهم في زيادة الإنتاجية والأرباح التي تعود على المؤسسة، مبنية على حاجة أصحاب القرار الماسة لمثل هذا الشخص، بينما هم في الوقت ذاته يخشون من حدة ذكائه وسرعة بديهته وخبراته الواسعة التي يمكن أن تنقلب عليهم يوما ـ حسبما يظنون ـ أو تجعل بريقهم يخفت مع الوقت في مقابل ازدياد بريق الموظف الألمعي.
على هذا الأساس، يعمد بعض الإداريين وأصحاب العمل إلى إخفاء أصحاب المواهب والكفاءات المميزة عن الأنظار، حتى لا يهددوا وجودهم وتزيد فرصهم في سحب البساط الأحمر من تحت أرجلهم. هكذا يعتقد كثير من مديري المؤسسات حول العالم، خصوصا في العالم الثالث حيث تندر الفرص الوظيفية الجيدة، مما يحدو بالكثيرين إلى منع ظهور صاحب الموهبة الفريدة رغم حاجتهم إليه، خوفا من أن يحل يوما ما محلهم.
إن هذه الطريقة المشوهة في التفكير هي سبب الكثير من الإخفاقات، فالمبدع لن يقبل البقاء في الظل. كما أن وضع العراقيل في وجهه، مع المحاولة المتواصلة لإخفائه عن الأعين لن تخفى عليه، وسيدرك عدم ثقة المسؤولين وخوفهم من تميزه، مما سيجعله يشعر بالظلم ويعتقد أنه لا يأخذ حقه، هذا قد يؤدي إلى مغادرته أو الامتناع عن تقديم إسهامات جديدة بسبب فقدانه للدافع والحماس.
اليوم نحن بحاجة ماسة إلى أصحاب عمل ناضجين ومديرين يتعلمون فن الإدارة الحقيقي، القائم على تشجيع الموظفين الموهوبين دون الخوف منهم. إن الخوف من موظف متميز لن ينفع، بل سيضر الموظف والمؤسسة معا. فما الفائدة من إخفاء أصحاب المواهب وحرمانهم من تقدير الذات؟
لا شيء أجمل من التعاون في العمل، ولا شيء أروع من المحبة والمودة الإنسانية، حيث نجلس معظم يومنا في مكان واحد حتى نؤدي المهام الموكلة إلينا، ونحقق الأهداف التي نصبو إليها جميعا باسم الجهة التي نعمل لصالحها بإخلاص وشراكة وتشجيع متبادل.