هل سبق لك أن شعرت باليقين الـتـام تجاه ذكرى معينة، فقط لتكتشف لاحـقــا أنهــا خاطئـــة؟ الأمر الأكثر غرابة هو أن مجموعة كبـيرة من الأشخاص يشـاركونك نفس الذكرى، وكأن هناك ذاكــرة جماعية تشكــلت بنــاء على خطأ. هذه الظاهرة الغريبة تعرف بـ «تأثير مانديلا»، نسبة إلى اعتقاد شائع بين العديد من الناس أن نيلسون مانديلا قد توفي في السجن خلال فترة الثمانينيات، بينما الحقيقة هي أنه أطلق سراحه لاحقا وتوفي عام 2013. هذه الظاهرة تثير أسئلة مهمة حول كيف تعمل عقولنا، وما دقة ما نعتقد أننا نتذكره؟
تأثير مانديلا ليس مجرد خطأ فردي، بل هو دليل على أن الذاكرة البشرية يمكن أن تتأثر بشكل جماعي، حتى تصبح الذكريات الزائفة حقيقة يصدقها الناس. من أشهر الأمثلة على ذلك اعتقاد كثيرين أن شعار سلسلة الرسوم المتحركة «Looney Tunes» كان يكتب «Looney Toons»، أو أن شخصية «بيكاتشو» من مسلسل «بوكيمون» لديها ذيل أسود في نهايته، بينما الحقيقة أن ذيله أصفر بالكامل. هذه الأمثلة تظهر كيف يمكن للذاكرة أن تكون عرضة للتشويه عندما تتداخل العوامل الجماعية مع الإدراك الفردي.
وفقا للعلماء، تأثير مانديلا يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل، التخريف هو أحد الأسباب الرئيسية، حيث يحاول الدماغ سد الفجوات في المعلومات المفقودة عن طريق استحداث تفاصيل جديدة تجعل القصة تبدو منطقية. الإيحاء الجماعي أيضا يلعب دورا كبيرا، إذ يمكن للتكرار المستمر للمعلومات الخاطئة عبر وسائل الإعلام والثقافة الشعبية أن يجعلها تبدو كحقيقة مطلقة. في إحدى الدراسات التي أجريت عام 2020، وجد الباحثون أن 76% من المشاركين ارتكبوا أخطاء في تذكر معلومات معينة نتيجة للإيحاء والتأثير الجماعي. هذه النتائج تؤكد أن الذاكرة ليست أداة دقيقة، بل تتشكل باستمرار تحت تأثير البيئة المحيطة.
تأثير مانديلا ليس مجرد ظاهرة نفسية مثيرة، بل هو تحذير واضح يدعونا إلى التحقق من المعلومات قبل أن نبني عليها قرارات أو معتقدات. في عالم يزداد فيه انتشار الأخبار الزائفة بسرعة، يصبح التفكير النقدي والتحقق من الحقائق ضرورة ملحة. لذا، عندما تجد نفسك متأكدا تماما من ذكرى معينة، ربما عليك أن تتوقف وتسأل: هل أنا حقا أتذكرها، أم أنني جزء من ذاكرة جماعية زائفة؟ الإجابة قد تكون المفتاح لفهم ليس فقط ذكرياتنا، ولكن أيضا كيفية تأثير الجماعات على وعينا.
Instagram: @hamadaltamimiii