في عصر تسيطر فيه الصور المثالية والتوقعات الاجتماعية أصبح ارتداء الأقنعة أمرا شائعا للحفاظ على القبول والتقدير من الآخرين. نحن نتبنى صورا لا تمثل حقيقتنا فقط لنلبي معايير النجاح والجمال والسلوك المقبول التي فرضها المجتمع علينا. قد تبدو هذه الأقنعة وسيلة للبقاء ضمن الإطار الاجتماعي، لكنها على المدى الطويل تضعف ارتباطنا بذاتنا الحقيقية وتحد من قدرتنا على التعبير بصدق عن مشاعرنا وأفكارنا.
من أبرز الأمثلة في التاريخ التي تعكس هذا الصراع قصة الإمبراطورة إليزابيث من النمسا، أو كما عرفت بـ «سيسي». عاشت إليزابيث حياة خاضعة لقيود صارمة فرضها عليها البلاط الملكي، حيث كان عليها الظهور بمظهر مثالي دائما يتماشى مع توقعات المجتمع الملكي والنخبة. ومع ذلك، كانت تعاني داخليا من التناقض بين صورتها العامة وذاتها الحقيقية. رغم أنها كانت محبوبة ومقدرة من الشعب، إلا أن ذلك التقدير لم يحقق لها السلام الداخلي الذي كانت تتوق إليه، بل جعلها رهينة لقناع اجتماعي لا يمثل حقيقتها.
وفي حياتنا اليومية، نجد أنفسنا في صراع مشابه. وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت واحدة من أكبر العوامل التي تغذي الأقنعة الاجتماعية. الجميع يسعى لإظهار نسخة مثالية من حياته، مليئة بالنجاحات واللحظات السعيدة، حتى وإن كان ذلك بعيدا عن الواقع. هذا التظاهر المستمر يخلق ضغطا نفسيا كبيرا ويجعل الكثيرين يشعرون بالعزلة والقلق. الشخص الذي ينغمس في هذا الصراع يفقد تدريجيا اتصاله بذاته الحقيقية ويصبح عالقا في دائرة لا تنتهي من محاولات إرضاء الآخرين على حساب راحته النفسية.
الحل يكمن في إعادة الاتصال بذواتنا وتحديد أولوياتنا الحقيقية. الصدق مع النفس هو المفتاح لتحقيق التوازن بين ما نحن عليه وما يظهره الآخرون عنا. القناعة الحقيقية تأتي من الشعور بالراحة تجاه ذواتنا، بغض النظر عن توقعات المجتمع. يجب أن نعيش وفق قيمنا الشخصية، لأن السعادة الحقيقية لا تأتي من عدد الإعجابات على مواقع التواصل، بل من الشعور بالرضا الداخلي.
في نهاية المطاف، يمكن للقناع أن يخفي حقيقتك لفترة، لكنه لن يغير جوهرك. الشجاعة لا تكمن في السعي لإرضاء الجميع، بل في أن تكون صادقا مع نفسك. عندما تتخلى عن الأقنعة وتواجه العالم بحقيقتك ستكتشف أن الحياة مليئة بالفرص لتكون أكثر سعادة وحرية. الحقيقة التي تسكن في أعماقنا هي أثمن ما يمكن أن نقدمه للعالم.
Instagram: @hamadaltamimiii