في أثينا القديمة كان سقراط يجوب شوارع المدينة، محاورا الناس بأسئلته التي تكشف لهم ضعف حججهم أكثر مما تقدم لهم إجابات جاهزة. وعلى الرغم من أنه يعد اليوم أحد أعظم الفلاسفة، فإن معاصريه لم ينظروا إليه بالتقدير نفسه، بل مالوا إلى تصديق الحكماء المزيفين الذين قدموا أفكارا سطحية تروق للجمهور.
هذه المفارقة تعكس واقعا متكررا في كل عصر، حيث يهيمن الطرح السهل والمريح على الفكر العام، بينما تظل المعرفة العميقة محصورة في نطاق محدود.
لكن لو كان سقراط يعيش اليوم، وسط زخم وسائل التواصل الاجتماعي، هل كان ليصدق مشاهير العصر الرقمي؟ هل كان سيرى فيهم امتدادا لأولئك الذين كانوا يرددون العبارات الجوفاء دون تفكير؟!
مع التطور التكنولوجي الذي جعل العالم أكثر اتصالا، بات الوصول إلى الشهرة والنجاح أسهل من أي وقت مضى. آلاف المؤثرين يكتسبون الشعبية دون مضمون حقيقي، فيما يروج البعض للسطحية والمادية، ويستخفون بعقل المتابع. وفقا لدراسة أجرتها جامعة الشرق الأوسط في الأردن، يتابع الطلبة مشاهير التواصل الاجتماعي لأسباب متعددة، منها الإعجاب، والبحث عن حياة أفضل، والتسلية، لكن المشكلة تكمن في أن بعضهم يقلد المؤثرين دون وعي، مما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم وسلوكهم الاجتماعي.
كما تؤكد دراسة من جامعة دمياط، أن 67.5% من الطلاب يتابعون مشاهير التواصل الاجتماعي بشكل دائم، وأن التأثيرات المعرفية والسلوكية كانت الأكثر وضوحا، فالمتابعة المستمرة تؤدي إلى تغيير طريقة التفكير ومستوى الرضا عن الحياة، مما يعكس خطورة تأثير المحتوى الرقمي على الأجيال الجديدة.
ويرى الباحثون أن التأثر بالمشاهير يمر بمراحل تبدأ بالمشاهدة ثم المتابعة المستمرة، يليها التعلق الزائد، ثم التقليد الأعمى، وصولا إلى الهوس، وأخيرا صعوبة التخلي عن متابعة المشهور يوميا. هذه الظاهرة تؤكد أن التأثير لا يقتصر على مجرد الإعجاب، بل يمتد ليشكل طريقة التفكير والسلوك لدى الشباب، ما يجعل مسؤولية اختيار المحتوى أكثر أهمية من أي وقت مضى.
لكن يبقى القرار النهائي بيد الفرد، فإما أن يتبع التيار بلا تفكير، أو يعمل عقله ويرفض المحتوى الذي يستخف بوعيه.
اليوم، كل شخص قادر على قول أي شيء، لكنه لا يمكنه التأثير عليك إلا إذا سمحت له بذلك.
وهنا يأتي دور التربية والوعي، فلابد أن نعلم أبناءنا منذ الصغر كيف يكونون مستقلين في تفكيرهم، قادرين على التحليل النقدي لكل ما يتلقونه. فإذا كان سقراط لم يصدق الحكماء الزائفين في عصره، فهل نسمح لأنفسنا بأن نصدق مشاهير اليوم دون تفكير؟!
Instagram: @hamadaltamimiii