في زمن تتحول فيه الأفكار إلى ثروات، والعقول إلى سلع يتم تداولها في بورصات خفية.. فمن سيكون السيد الجديد لعصر الاقتصاد المعرفي؟
الاقتصاد المعرفي.. حين تصبح العقول هي الثروة الجديدة: نعيش اليوم فيما يعرف بـ «عالم الاقتصاد المعرفي»، عالم تتسارع فيه الخطى وتنقلب فيه الموازين حتى بات كل شيء يسبق الضوء في تبدله. فلم يعد جمع المعلومات أو امتلاكها هو ما يصنع الفارق بين الشعوب والحضارات، بل السر الحقيقي اليوم يكمن في سرعة استيعاب المعلومة وتشكيلها قبل أن تتجذر في الفكر.
لقد أصبح السباق العالمي اليوم، ليس مجرد تنافس بين الشركات العملاقة، بل مواجهة كبرى بين الحضارات فمنهم من يحول الأفكار إلى ثروات، ومنهم من يكتفي بالتصفيق من على المدرجات!
ولم يعد السؤال «من يملك البيانات يفوز» بل تحول إلى من يملك عقول البشر هو من يتحكم في دفة الاقتصاد.
فنحن اليوم على أعتاب زمن جديد، حيث ستغدو عقولنا جزءا من بورصة العالم، سواء قبلنا طواعية أو رغما عنا، وستنسج خيوط الثروة وتصوغ ملامح المستقبل، في عالم يعاد تشكله بقوة الفكر وبراعة الإبداع الإنساني.
هل الذكاء الاصطناعي.. طبيب الدماغ الجديد؟
في هذا المشهد، تمثل رقائق التكنولوجيا الدماغية، التي يعود مفهومها إلى القرن العشرين، نهجا واعدا يفتح إمكانيات التواصل بين الإنسان والروبوت، ويتيح للبشر التفاعل مع الأجهزة والحواسيب بمجرد الإشارات الدماغية والأفكار.
حتى اليوم، تم تطوير نهجين لزراعة هذه الرقائق: إما زراعتها جراحيا داخل الدماغ، أو توصيلها عبر الأوعية الدموية. ويعد هذا التوجه برقاقات الدماغ الذكية واعدا بتوفير حلول طبية ثورية، إذ يمكنها علاج الأمراض العصبية مثل باركنسون والصرع والاكتئاب، واستعادة الوظائف الحسية المفقودة كالرؤية أو الحركة.
من خيال الأمس.. إلى إنجاز الحاضر: هنا تبرز شركة «نيورالينك»، التابعة لايلون ماسك، في طليعة هذا السباق. التي تعمل على تطوير جهاز واجهة دماغية حاسوبية «مصمم لربط أدمغة البشر مباشرة بأجهزة الحاسوب»، وذلك على شكل سماعات للرأس. حيث يتمتع هذا الجهاز بقدرته على تسجيل وفك تشفير الإشارات العصبية، وإرسال تلك المعلومات إلى الدماغ عبر التحفيز الكهربائي.
ووفقا لموقع «نيورالينك» الإلكتروني، فإن الهدف الأساسي للشركة هو مساعدة المصابين بأمراض الشلل على استعادة مهارات التواصل المفقودة. أما في المستقبل فمن طموحات «نيورالينك» العمل على استعادة الوظائف الحركية والحسية والبصرية، وعلاج الاضطرابات العصبية. وقد تمت بالفعل زراعة الرقائق لثلاثة أشخاص بتكلفة بلغت 10500 دولار لكل حالة.
من ناحية أخرى كشفت الصين عن جدول زمني لتطوير ما أطلقت عليه اسم مشروع «واجهة الدماغ والحاسوب»، والذي يهدف إلى إطلاق منتجات تتمحور حول هذه الشرائح الدماغية في وقت مبكر من هذا العام 2025، وفق البيان الصحافي الصادر عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، كما قدمت جامعة «تيانجين» بالتعاون مع شركة إلكترونيات صينية في عام 2019، شريحة أطلق عليها اسم «براين تاكر»، بمقدورها فك تشفير الإشارات العصبية لتطبيقات مختلفة، مثل الأطراف الاصطناعية والعصبية.
ويبقي السؤال عزيزي القارئ: هل تقودنا الرقائق الدماغية إلى مستقبل أكثر ذكاء وإنسانية، أم إلى عالم تذوب فيه حدود الخصوصية والهوية؟!
hamedmadouh919@hotmail.com
HamadMadouh@