في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا بخطى لا تعرف التوقف، ويتقدم الذكاء الاصطناعي ليعيد تشكيل ملامح العالم من حولنا، لم يعد عالم المال والأعمال مقتصرا على الأرقام والصفقات فحسب، بل أصبح مسرحا واسعا لأساليب احتيال أكثر خفاء وتعقيدا.
فأصبحت بعض منصات التواصل ملاذا للباحثين عن الأمان والود، تختبئ فيه خلف الوجوه الوديعة أحيانا نوايا خادعة، تحول الثقة إلى فخ، والمشاعر الصادقة إلى خيبة موجعة.
مع الأسف أن هذا السيناريو المروع واقع يعيشه مئات آلاف الأشخاص حول العالم يوميا!
ما طبيعة الاحتيال العاطفي؟
تعد جرائم الاحتيال الرومانسي، من أخطر أشكال الجريمة الإلكترونية التي شهدت انتشارا واسعا في السنوات الأخيرة، مستفيدة من الطفرة المتسارعة في تقنيات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، حيث يعتمد هذا النوع من الاحتيال على استغلال العواطف والمشاعر الإنسانية، إذ يقوم المحتالون ببناء علاقات عاطفية زائفة عبر الإنترنت لاستدراج ضحاياهم، بهدف ابتزازهم ماليا أو الحصول على معلوماتهم الشخصية الحساسة.
فغالبا ما يلجأ هؤلاء إلى حيل نفسية دقيقة وأساليب تلاعب عاطفية مدروسة، تمكنهم من كسب ثقة الضحايا تدريجيا، إلى ان يقعوا في فخ الخداع دون أن يدركوا حقيقة ما يتعرضون له. «مكتب التحقيقات الفيدرالي».
وفقا للجنة التجارة الفيدرالية الأميركية (FTC)، خسر مستخدمو وسائل التواصل ما يقارب 1.14 مليار دولار بسبب عمليات الاحتيال الرومانسية في العام 2023.
هذا، ويسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز هذه العمليات الاحتيالية، إذ يمكن المحتالين من إنشاء ملفات تعريف وهمية، ورسائل وصور واقعية مقنعة بهدف خداع الضحايا بفاعلية أكبر. «مركز جرائم الانترنت IC3».
من تكساس إلى غانا.. قلوب مخدوعة وتحويلات مشبوهة: في مقاطعة نيوجيرسي الأميركية، اعترف رجل من تكساس بتورطه في عمليات احتيال عاطفية طالت كبار السن، حيث كان يتلقى أموالهم، ويقوم بتحويلها إلى الخارج، وتحديدا إلى غانا، كما تورطت شريكته في تلك العمليات، وذلك بحسب ما أعلنته المدعية العامة الأميركية بأنها عملت كمحولة أموال غير مرخصة». «مكتب المدعى العام نيوجيرسي»
ما العواقب الوخيمة؟
العواقب لا تتوقف عند الخسائر المالية فحسب، بل تمتد إلى تلاعب عاطفي قاس، واضطرابات نفسية طويلة الأمد.
اضف إلى ذلك العواقب القانونية المترتبة على التحويلات البنكية المشبوهة، التي قد تضع الضحية فيها تحت طائلة القانون دون علم بها.
الابتزاز العاطفي.. والوقاية منه: لتجنب عمليات الاحتيال العاطفي على وسائل التواصل يجب توخي الحذر من أي شخص يتحدث عن العواطف بشكل مبالغ فيه في فترة زمنية قياسية، وكذلك عدم مشاركة معلوماتك الشخصية، عدم إرسال أي تحويلات مالية.
رسالتي لعزيزي القارئ: تظـل الجريمة الاقتصادية ذات الـــوجه العـاطفي من أخطــر التحديات التي تواكب عصرنا الرقمي، حيث تختلط مشاعر الحـــب الزائف بأطماع المال الحقيقي. ولذا فإن نشر وتعزيز الوعي الرقمي، وتطوير التقنيات الرقمية، وتحديث أدوات الحماية السيبرانية، والعمل على تطوير تشريعات تواكب أساليب الاحتيال الجديدة، لم تعد رفاهية، بل ضرورة ملحة لحماية القلوب البريئة... قبل الحسابات البنكية.
HamadMadouh@