في زمن تتسارع فيه العولمة وتتقلب فيه الأسواق الدولية بوتيرة غير مسبوقة، لم يعد بوسع الدول أن تواجه التحديات الاقتصادية منفردة، بل بات التكامل الاقتصادي خيارا إستراتيجيا تتبناه الشعوب التي تطمح لتحقيق الازدهار، وتعزيز مكانتها في النظام العالمي الجديد.
ما التكامل الاقتصادي؟
ببساطة، هو اتفاق بين دولتين أو أكثر لتنسيق سياساتهما الاقتصادية بهدف إنشاء كيان اقتصادي موحد أو متقارب، ويأخذ هذا التكامل أشكالا متعددة، كإزالة الحواجز الجمركية، وتوحيد التعرفة، إنشاء سوق مشتركة، أو حتى اعتماد عملة موحدة.
لكن جوهر التكامل لا يقتصر على التجارة، بل يمتد إلى خلق فضاء تنموي مشترك يدعم التنمية المستدامة ويعزز القدرة التفاوضية للدول على الساحة الدولية.
لماذا تسعى الدول إلى التكامل؟
تتعدد الأهداف، وتتقاطع عند نقطة واحدة ألا وهي مصلحة الشعوب.
فمن أبرز هذه الأهداف هي:
٭ تحقيق التقارب الاقتصادي بين الدول ودمج الأسواق الوطنية.
٭ زيادة الكفاءة الإنـــتاجية وخفــض التكاليف.
٭ دعم الاستقرار السياسي من خلال المصالح الاقتصادية المشتركة.
عندما يصبح الحلم واقعا: الاتحاد الأوروبي يعد النموذج الأبرز عالميا، حيث وصل إلى مراحل متقدمة من التكامل، منها اعتماد عملة موحدة (اليورو) لدى 20 من أصل 27 دولة. حيث نجح الاتحاد في تأسيس سوق موحدة تضم أكثر من 400 مليون مستهلك، ما عزز من تنافسية اقتصاده عالميا.
مجلس التعاون الخليجي: بالنظر إلى مجلس التعاون، فنجده قد قطع خطوات جادة وملموسة نحو تحقيق اتحاد جمركي وسوق خليجية مشتركة. وتدل الأرقام على مدى التقدم:
٭ ارتفعت صادرات السلع بين دول الخليج من نحو 3 ـ 5 مليارات دولار في الثمانينيات إلى أكثر من 70 مليار دولار في عام 2021.
كما بلغ إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج نحو 161 مليار يورو في عام 2024، ما يعكس أهمية التكتل كمحور اقتصادي إقليمي وعالمي.
فوائد تتجاوز الاقتصاد:
٭ زيادة فرص العمل من خلال توسيع الأسواق.
٭ خفض الأسعار وتحسين جودة المنتجات.
٭ جذب الاستثمارات الأجنبية.
٭ تحقيق الأمن الغذائي.
٭ تحفيز الابتكار من خلال انفتاح الأسواق أمام شركات متنوعة.
لكن، الطريق ليس مفروشا بالورود، فرغم الأمل الكبير، تواجه مشاريع التكامل الاقتصادي العديد من التحديات:
٭ تفاوت مستويات التنمية بين الدول.
٭ اختلاف السياسات المالية والنقدية.
٭ ضعف البنية التحتية.
٭ تغليب المصالح السياسية على الرؤية الاقتصادية المشتركة.
رؤيــة جديدة من أجل المستقبل: في قــمــة حديثة عقدت في أذربيجان تحت شعار «رؤية جديدة لمنظمة التعاون الاقتصادي من أجل مستقبل مستدام ومقاوم للتغير المناخي»، أجمعت سبع دول من المنظمة على خطوات جادة لتعزيز التكامل.
في الختام: في عصر التكتلات الاقتصادية العملاقة، من الصعب على الدول الصغيرة أو المتوسطة أن تحافظ على استقلالها الاقتصادي الكامل دون شراكات قوية.
إن التكامل الاقتصادي ضرورة وجودية تفرضها حقائق السوق العالمي. ومن خلال التعاون العابر للحدود، تستطيع الدول أن تبني مستقبلا مشتركا أكثر عدلا، وأكثر استقرارا وازدهارا.
hamedmadouh919@hotmail.com