العيش في هذه الحياة بكل مراحلها وتحدياتها يشبه العيش في قلعة كبيرة، أنت مجبر على السير في ممراتها وغرفها حتى يأتي اليوم الذي تقرر فيه مغادرتك، أنت لا تعلم ذلك الوقت، في يديك أدوات تعينك على ممارسة الحياة، لك مطلق الحرية في توظيفها حسب ما تقرر وتريد، لكن سيأتي يوم وينتهي كل هذا، فكيف سيتعامل البشر مع هذه التجربة؟!
كيف سيختار الناس قضاء تلك الفترة؟ ما أنا متأكدة منه فعلا أنهم سيختلفون في أسلوب التخطيط والتنفيذ، وربما منهم من سيخطط ومنهم من سيترك المصادفة والعشوائية منهجا لتلك الأيام حتى يحين يوم وجوب مغادرة هذا المكان.
لو طبقنا تلك الصورة بكل تفاصيلها على حياتنا الفعلية، وحاولنا تفعيل وتطوير وبالتالي الاستفادة من كل ما نملكه في هذه الحياة، من صحة، مال، وقت، قدرات، علاقات، فكيف ستكون النتيجة؟!
جمال البشر وقوتهم في تنوعهم وفي اختلافهم، في الحياة تختلف التوجهات والقدرات والمهارات، تعرف على نفسك وأحبها، ونمّ مهاراتك بالكيفية والقدرة التي تملكها، نحن لسنا نسخة من بعضنا، نحن أوجه مختلفة نكمل لوحة الحياة، تقبل الذات ومعرفة مواطن قوتها، وتقبل نقاط ضعفها هو السر الذي نستطيع أن نكمل به كل ما سنمر به في تلك الحياة (التي نشير إليها بالقلعة في هذه السطور).
ولكن هل القبوع والانزواء في احدى غرف تلك القلعة هو أمر منطقي برأيكم؟! ستمر الأيام ويطلع نهار ويعقبه ليل وجلوسك في تلك الزاوية لا يغير شيئا، أيا كان ما تمر به في هذه الحياة لا تسمح لنفسك بالاستسلام أو الخنوع لظرف خارج عن سيطرتك، قاوم وحاول واسع فهذه هي الحياة شئنا أم أبينا.
على صعيد آخر، هذه ليست دعوة لسباق مرهق متعب، فالدخول لغرف تلك القلعة الشاهقة ببنيانها وتعدد طوابقها ليس الغاية.
من وجهة نظري، يكفي أن يعي الإنسان ويعرف طريق غرف وطوابق معينة تشبهه، يشعر فيها بالراحة والانسجام، يشعر فيها بأنه يقدم رسالة جميلة في هذه القلعة، أو يصنع عملا يطور ويجمل المكان الذي يقيم فيه.
ولنعلم أن هذه القلعة ليست قلعة الأحلام، ليس كل أيام الإقامة فيها سرور وحبور، ستمر أيام فيها شديدة الوطء ثقيلة منهكة، لذلك على الإنسان أن يكون متسلحا بالصبر والهدوء وألا يغفل رفيقا يهون عليه تلك الليالي، وأن الجزع والانهيار لن يغير من الواقع شيئا.
أكثر ما يفسد أيام الإقامة في تلك القلعة، شر متمثل في هيئة بشر، أنت مجبر على أن تشاركهم الإقامة، هدفهم مصالحهم، شعارهم أنا والطوفان من بعدي، لا مشكلة لديهم بشن الحروب وتدمير من يجاورونهم ما دامت مصالحهم لا تمس، صحيح أنك لا تستطيع أن ترسلهم خارج المكان الذي تقيم فيه، ولكن لا تضع أيديك في أيديهم ولا تبايعهم وقد بانت شرورهم.
تذكر إن حان موعد الرحيل فلن يبقى سوى ملف يحمل اسمك، قد كان من صنع يديك، يذكرك به الناس.
إقامة سعيدة موفقة.