في بلدي الكويت، هناك نماذج عديدة بصور متنوعة لأشخاص ضحوا بما يملكون وكرسوا أنفسهم لتحقيق أحلامهم، ليتميزوا بها ويقدموا أروع ما لديهم للمجتمع الكويتي. لم يكتفوا بذلك، بل مثلوا الكويت خير تمثيل في المحافل الدولية، وكتبوا أسماءهم بماء من ذهب على مستوى العالم، وضحوا بوقتهم وجهدهم وما يملكون لرفعة الإسلام والمسلمين، وسطروا أروع الأمثلة للشباب الكويتي، ليكونوا قدوة حسنة وبصمة ناصعة في تاريخ الكويت، في الداخل، وخير سفراء في الخارج.
كثيرون هم، ولكن أردت اليوم أن أخص بالذكر أربعة من الأعلام، أصيلة معادنهم، ممن رحلوا عنا في الماضي القريب. كانوا ضمن الأبرز في عصرهم في مجالات الفلك، والمساعدات الإنسانية، والدعوة الإسلامية، وعلوم الحاسوب. نعتز ونفخر بإنجازاتهم، وببصماتهم التي لا تنسى.
منهم الراحل د.صالح العجيري (23 يونيو 1920 - 10 فبراير 2022) رحمه الله، العالم الفلكي البارز ومؤسس علم الفلك في الكويت، وأحد رواده في العالم العربي والإسلامي، الذي كرس حياته للعلم والمعرفة. من أبرز إنجازاته «تقويم العجيري» الذي أطلقه عام 1952، واعتمدته الدولة لاحقا في جميع معاملاتها الرسمية المتعلقة بالظواهر الفلكية والمواقيت، وهو مرجع يستفيد منه العالم الإسلامي حتى اليوم. تميز د.العجيري بجهوده الدؤوبة، وسيرته التي أصبحت منارة للعلم والعمل، حيث ألف العديد من الكتب الفلكية، ونال الدكتوراه الفخرية من جامعة الكويت عام 1981، إلى جانب العديد من الجوائز والتكريمات من مؤسسات علمية وأكاديمية محلية ودولية. وقد شكل قدوة للكويتيين في المثابرة والمجاهرة بطلب العلم، وكان رمزا وطنيا يفتخر به كل كويتي.
وفي مجال الدعوة والعمل الإنساني، برز الراحل د.عبدالرحمن السميط (15 أكتوبر 1947 - 15 أغسطس 2013) رحمه الله، الطبيب والداعية الإسلامي البارز، الذي كرس حياته وجهده وماله للعون الإنساني والدعوة إلى الله، خاصة في القارة الأفريقية. أسس لجنة مسلمي أفريقيا عام 1981، والتي أصبحت لاحقا «جمعية العون المباشر»، وتفرغ للعمل الخيري، ناشرا الخير في أبعد بقاع الأرض.
وعلى يديه أسلم الآلاف، وكانت له بصمة أبوية وإنسانية واضحة في رعاية الأيتام والمحتاجين، وبناء المدارس والمستشفيات، وحفر الآبار، وتوفير سبل الحياة الكريمة في المجتمعات الأفريقية الفقيرة.
نال د.السميط، رحمه الله، العديد من الجوائز والتكريمات على أعلى المستويات محليا ودوليا، وكان نموذجا يحتذى به في التضحية والعطاء، ومثالا كويتيا نادرا في العمل الخيري والدعوي، وترك إرثا عظيما لا ينسى.
وفي مجال الدعوة الإسلامية، سطع نجم الراحل الشيخ أحمد القطان (1946 - 23 مايو 2022) رحمه الله، الخطيب الجليل والداعية الإسلامي البارز، صاحب الصوت القوي والمواقف الثابتة، كان منبرا للحق الذي طالما دافع من خلاله عن المسجد الأقصى وقضايا الأمة الإسلامية.
اشتهر بأسلوبه المؤثر وكلماته الصادقة الرنانة، وترك بصمات لا تنسى في الوعي الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. كان يذكر اسمه مقرونا باسم الكويت في العديد من المحافل، لما عرف به من بلاغة وفصاحة وقوة حجة في الدفاع عن الحق.
خلف أثرا كبيرا داخل الكويت وخارجها، وأصبح مثالا كويتيا يحتذى به في نصرة قضايا الأمة، والدفاع عن حقوق الشعوب، وكان رمزا من رموز الدعوة الصادقة والمواقف المشرفة.
وفي ميدان التقنية، برز الراحل محمد الشارخ (1942 - 6 مارس 2024)، رحمه الله، رجل الأعمال البارز والمناضل في ميدان التقنية، ومؤسس شركة «صخر» لبرامج الحاسوب العربية عام 1982، التي شكلت نقلة نوعية في عالم البرمجيات العربية، وساهمت في تعريب التقنية وجعل الحاسوب ناطقا بالعربية، ليكون في متناول المستخدم العربي.
بفضل رؤيته الرائدة، أدرج اسم الكويت على خريطة التكنولوجيا العالمية، وكان له الفضل في تطوير نظم التشغيل، والترجمة الآلية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي باللغة العربية. حصل على العديد من الجوائز والتكريمات من مؤسسات أكاديمية وتكنولوجية عالمية، تقديرا لإسهاماته في تطوير التعليم الرقمي وتعريب البرمجيات. كان الشارخ نموذجا ملهما للكويتيين في ريادة الأعمال والابتكار، ورمزا للتميز في توظيف التقنية لخدمة اللغة والثقافة العربية.
هؤلاء المميزون تركوا إرثا عظيما سيظل مصدر إلهام، كل في مجاله، وأصبحوا قدوة للكويتيين بأعمالهم الخالدة ورسالتهم التي انبثقت من أهدافهم وتكريس أنفسهم لها بالعزيمة والصبر والتضحية حتى أثمرت وأصبحت مدارس تدرس في الحياة ورسائل مؤثرة يعتبر بها الآخرون وبالأخص الشباب الكويتي للتسلح بالإيمان بالحلم والعمل والإخلاص والتركيز والتميز به.
اللهم ارحمهم برحمتك الواسعة واجعل قبورهم رياضا من رياض الجنة، وأسكنهم مساكن من نور في جنات الخلد.
ealsafran@gmail.com