مجموعة من الأساتذة في جامعة الكويت قاموا برحلة إلى إحدى دول شرق آسيا، حيث الرقابة الشديدة على وسائل الإعلام وخدمات الإنترنت محدودة جدا، وعند وصولهم إلى مطار العاصمة وبسبب القوانين الصارمة طلب من الأساتذة تسليم أجهزتهم النقالة وتكليف مرافق يكون معهم وفق جدول محدد مسبقا. يقول أحد الأساتذة عن ذلك: كنت أرى أن سحب الأجهزة النقالة أكبر مشكلة راح نواجهها فكيف أتواصل مع الأهل والأصحاب وكيف أتابع الأخبار والأحداث؟!
وبعد انتهاء المهمة علـق الأستاذ نفسـه قــائـلا: إن الأيام التي قضيناها بدون أجهزة نقالة وبدون نت كــانت من أفضل الأيام التي عشتها وجدت ارتياحا نفسيا وصــفاء ذهنيا، وكان التواصل المباشر مع زملاء الــرحلة ممتــعا والنقاشات رائــعة، والتعايش كان مباشرا، تعرفت عليــهــم من جديــد مع ان علاقتي مع بعضــهم تجاوزت 10 سنوات، وفي هـذه الأيام عرفت ما لم أعرفه عنهم طوال فترة عملي معهـم.. وعند تسلم أجهزتنا النقالة عند العودة بلغ عدد الرسائل والمسجات المرسلة أثناء فترة حجز التلفون أكثر من 3 آلاف رسالة، الأغلبية العظمى منها صباح الخير ومساء الخير وجمعة مبارك ودعوات لمناسبات زواج وعزاء لأناس علاقتي معهم بسيطة جدا.. لم أجد أي رسالة مهمة أو يبنى عليها أي موقف، خاصة أن آخر رسالة قبل حجز التلفون أرسلتها لأهلي أخبرتهم عند وصولي أنني سأتواصل معهم عبر التلفون الأرضي فقط.
ربما نحتاج لأن نأخذ «بريك» من أجهزتنــا النقـالة ونحتاج لأن نجدد علاقاتنا مع أقرب الناس لــنا وهم عائلتنا أبناؤنا وبناتنا، ويجب أن نعــترف بأن الأجهزة النقالة أبعدتنا عن الجو العائلي بشكل كبــير، وأصبح كــل ابن وبنت له جهازه الخاص، ناهيك عن عــلاقاتنا الاجتماعية العامة التي أصبحت تدار عبر رســالة «واتساب» نهنئ ونعزي ونبارك ونتواصل عبرها، ولا يقف الأمر عند العلاقات الاجتماعية بل حتى المعلومات، ففي السابق كانت المعلومات الشرعية والدينية نأخذها من أمهات الكتب ومن سؤال المشايخ والعلماء ومتابعه الدروس العلمية، ونأخذ الأخبار من الصحف الرسمية ومن القنوات الإخبارية المعروفة، ونأخذ المعلومات الحياتية من التجارب ومن الممارسة ومن حكمة من يكبرنا عمرا، حتى التسلية وملء وقت الفراغ كانا يتمان بالممارسة واللعب والحركة خارج البيت.
في ذلك الوقت كانت معلوماتنا وثقافتنا العامة قوية وكانت سوالفنا معبرة ومؤثرة وألسنتنا منطلقة وكانت صحتنا ولياقتنا أفضل من اليوم، بسبب كثرة الحركة والتفاعل مع الحياة، أما اليوم فمعلوماتنا من كل حدب وصوب وتتميز بالسطحية والبساطة ويكثر غثها على سمينها، وأصبحت مجالسنا صامتة والكل مشغول بهاتفه، أما الصحة البدنية فكثرت آلام الظهر والرقبة والأعصاب والعيون، بسبب كثرة الانحناء لمشاهدة الهاتف وقوة إشعاع شاشته، كما صرح بذلك المتخصصون في الطب الطبيعي، ناهيك من كفاءة أجسامنا وسرعت التعب وعدم الرغبة في أي نشاط بدني.
اليوم، نحتاج أن نعطي أنفسنا إجازة من هواتفنا نجدد فيها حياتنا ونعيد شيئا من برمجة العلاقات الاجتماعية ونحرك أجسامنا خارج منطقة الخمول والكسل. اليوم، نحتاج أن نرجع ولو بشكل بسيط إلى الوسائل القديمة في الثقافة والعلم والفهم.
اترك جهازك لمدة أسبوع فقط، وانظر لسير حياتك، سوف تجده مختلفا وصحتك أفضل وعلاقاتك تدب فيها الحياة من جديد.