لسان حال الدنيا يقول لنا بلسان عربي فصيح:
هي الدنيا تقول بملء فيها
حذار حذار من بطشي وفتكي
ولا يغرركم مني ابتسامي
فقولي مضحك والفعل مبكي
والبطش والفتك، الأخذ بالعنف والقوة على حين غرة فتزهق أنفسنا، فنحن ضيوف على هذه الدنيا نقضي المدة التي كتبها الله لنا ثم نرحل، فمنا من يموت على فراشه، ومنا من يموت فجأة، ومنا من يموت إثر مرض، ولكن الموت واحد وهو لا محالة قادم:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
نرى الدنيا بأعيننا جميلة والحياة أجمل فتكبر أمانينا وآمالنا ثم يأتينا هادم اللذات ومفرق الجماعات، فكأننا لم نكن، وإذا انشغل المرء بالدنيا صدته عن مآله فهي كثيرة الأشغال لا يفتح باب شغل إلا أوشك هذا الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب، والعاقل يصاحب الدنيا ببدنه ويجعل قلبه متوجها إلى آخرته.
وقد قال حكيم: من آثر دنياه على آخرته فلا دنيا له ولا آخرة، فإذا سكنت الدنيا القلب ترحلت منه الآخرة، وقد سميت الدنيا دنيا لأنها دنية، وليس المقصود بذم الدنيا الحياة أو الأرض أو الزمان، ولكن المقصود ذم الأعمال السيئة فيها، والانشغال بها عن طاعة الله، فالدنيا ما هي إلا مزرعة الآخرة، وإنما غلب وصف الذم على الدنيا وكثرة التحذير منها، لأن حال كثير من الناس التلهي والانشغال بها عن الآخرة.
وقد أحسن أبوالعتاهية وصف الدنيا حيث يقول:
نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية
طفل الملوك هنا كطفل الحاشية
ونغادر الدنيا ونحن كما ترى
متشابهون على قبور حافية
أعمالنا تعلي وتخفض شأننا
وحسابنا بالحق يوم الغاشية
ودمتم سالمين.