نكد الدنيا كثير، فهي لا تصفو لأحد، ومن نكدها أن تضطر للتعامل مع عدوك، وأنت تعرف عداوته وبغضه لك، وهذا أمر يحتاج منك إلى النباهة والذكاء، وقد صور لنا المتنبي هذه الحالة أوضح تصوير فقال:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
والنكد قلة الخير، فقد يحتاج الحر الشهم إلى إظهار صداقة عدوه ليأمن شره، وهو يعلم عداوته له كي يدفع غائلته، على نحو قول: مرغم أخوك لا بطل، وهذا الأمر وارد، فربما اضطرتك الظروف للعمل في مكان مع من يكرهك، وهنا لابد من المداراة والملاطفة، وهي من أخلاق الأنبياء والصالحين، وربما تحولت العداوة إلى صلح وتآلف، والمرء مطلوب منه مداراة الأعداء والأصدقاء على حد سواء، وعلى هذا النهج سار نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه ومن جاء بعدهم، فدفعوا كثيرا من الشرور، ونالوا مقصودهم بأقل مجهود، وفازوا برضى الله تعالى، وبذلك كفوا مؤنة أعدائهم واتقوا مكرهم، وتخلصوا من لجاجهم (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (فصلت: 34).
فلابد من الملاينة والملاطفة كمنهج قويم وسلوك سليم، ولا يستطيع كائنا من كان رضا الناس، فعليك بمسايستهم ما لم يكن ثلم في دينك، يقول ابوالدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتلعنهم، وفي ذلك يقول زهير بن ابي سلمى:
ومن لم يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
وختاما قيل لعبد الملك بن مروان: ما المروءة؟ فقال: موالاة الأكفاء، ومداجاة الأعداء، والمداجاة هي ألا تظهر لعدوك ما عندك من عداوة. ودمتم سالمين.