محبة الناس لا تأتي بالقوة ولا تشترى بالمال، فهي هبة من الله سبحانه وتعالى، ورزق يسوقه لمن شاء من عباده، (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (آل عمران:159)، فمن لان للناس لانوا له، ومن أحسن إليهم أحسنوا إليه، ومع ذلك فمحبة الناس لها أسبابها ودواعيها، وأول هذه الأسباب وأهمها توفيق الله تعالى، وإذا وفق الله عبده أحسن خلقه وألان جانبه للناس فأحبوه.
قال سهيل بن أبي صالح، رحمه الله: كنت مع أبي يوم عرفة، فوقفنا ننتظر عمر بن عبدالعزيز، وكان أمير الحج وقائد الناس في الموسم، فقلت: يا أبتاه، والله إني لأرى الله يحب عمر، قال: بم يا بني؟ قلت: لما أراه دخل له في قلوب الناس من المودة، وأنت سمعت أبا هريرة يقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبوه، فينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فإذا أحبه أهل السماء أحبه أهل الأرض»، وقد قال الشاعر في هذا الصدد:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم
وعلمت ما بلغوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا
وإذا المودة أوكد الأسباب
فالهين السهل اللين قريب من الناس، يقول زيد بن أسلم: كان يقال من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا، قال أعرابي لأهل البصرة: من سيدكم؟ قالوا: الحسن البصري، قال: بم سادكم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم، ومن أسباب محبة الناس الزهد في الدنيا وإفشاء السلام وطلاقة الوجه والتبسم، والزيارة والإحسان إلى الناس:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
إن محبة الناس لا تأتي بالحسب والنسب والجاه والمال والذهب وإنما تأتي بحسن الأخلاق والأدب، ودمتم سالمين.