«مرور الكرام» عبارة جميلة وشائعة بين الناس، تستخدم لوصف تجاوز شيء ما بسرعة ودون اهتمام به، فلا يعرج على الأمر ولا يقف عنده طويلا، ونحن عندما نسمع ما لا يليق أو ما لا يعجبنا من القول تجدنا نمر على هذا الأمر مرور الكرام، ونقوم من المكان
ولا نعرج عليه ثانية احتراما لأنفسنا وامتثالا لقول المولى عز وجل: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) (الفرقان: 72).
من هنا أقول إن علينا أن نجعل هذه العبارة سلوكا ونهجا ولغة لنا، لأن أصلها القرآن الكريم، ونحن أحوج ما نكون لها في هذا الزمان الذي أصبح الكون الفسيح فيه وكأنه قرية صغيرة، ولا شيء أنقى وأجمل من أن تمر مرور الكرام فلا تسيء لأحد ولا تجرح مشاعر أحد فتترك أثرا طيبا في نفوس من التقيتهم، وتكسب احترامهم، فكن سهل الألفاظ عذب المنطق، تلقي أحسن القول وتستمع لما ينفع وتحسن السكوت عندما يتحدث غيرك، وتتكلم عندما يكون للكلام أذنا مصغية، وتلتمس العذر لمن أخطأ فلعله لم يكن قاصدا ذلك، وتبادر بالظن الحسن، فمرور الكرام ليس ضعفا ولا استكانة ولكنه تعقل وكياسة.
كما علينا أن نضع باعتبارنا أن هذه المقولة ليست بقرآن منزل ولا حديث شريف ولا قاعدة ثابتة أو سلوك دائم، فإلى جانب ما ذكرت فهناك أمور لا يمكن أن يمر عليها المرء مرور الكرام، أو يغض النظر عنها، فالأحداث التي تمر بنا متفاوتة ومنها ما نقف عنده طويلا، ومنها ما يتطلب الرد، بل والرد السريع، فكل ما يثلم دينك وكرامتك لا يمكن أن تمر عليه مرور الكرام، وإنما يستوجب منك موقفا حازما وردا مناسبا، فمن لا يحترم غيره لا يستحق الاحترام.
في النهاية، ليتنا نخرج من هذا الدنيا كفافا لا لنا ولا علينا فنكون مررنا بها مرور الكرام، ودمتم سالمين.