«وهذا زمان بنا يلعب» هذه العبارة واقع حال نمر به، فما مضى من زمان ليس كزماننا هذا، لذا تجدنا نحنّ إلى ما مضى، حتى أصبح الحنين إلى الماضي وتذكر الأيام الخوالي إحساسا لا يفارقنا إلى أن نصبح من الماضي، وهذه مشيئة الله وسنة الحياة، فنحن من تقدمت بنا السن وبلغنا من العمر عتيا، يظل هذا الشعور معنا ملازما لنا لأننا عاصرنا الماضي والحاضر فرأينا الاختلاف الكبير بينهما، فمفاهيم الأمس لم تعد هي مفاهيم اليوم، بل تغيرت رأسا على عقب، والثوابت المسلم بها صارت أمورا ثانوية، ودوام الحال من المحال.
ولله در القائل:
فذاك زمان لعبنا به
وهذا زمان بنا يلعب
ولأن الحياة أصبحت رتيبة والفراغ والملل فيها كبيرا، أصبح تذكر ما مضى متنفسا لنا نشعر من خلاله بالراحة وشيء من السعادة، لا أدعي أننا لم نتكيف مع الحاضر، لكنه تكيف يشبه قول القائل: مرغم أخوك لا بطل، ومع ذلك تبقى الشخوص والأماكن التي مرت بنا ماثلة في الذهن لا تغيب، نتذكرها ونتمنى لو كانت معنا، ولسان حالنا يردد قول جرير بن عطية:
بان الخليط ولو طوعت مابانا
وقطعوا من حبال الوصل أركانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلا
بالدار دارا وبالجيران جيرانا
ولابد أن نعرف أمرا مهما للغاية، وهو أن الزمان مجرد إطار وقتي للأحداث، فالأمور كلها بيد الله تعالى، والأحداث التي تمر بنا في كتاب لا يعلمه إلا هو عز وجل، لكن الكثير من الناس يذمون الدهر عند المصائب، متناسين أن علينا أن نصبر وأن نرضى بما قضى الله وقدر، فما من يوم يأتي علينا إلا وكان اليوم الذي سبقه أفضل منه، ودمتم سالمين.