الجهــاد هــو بذل ما فـي وسع المرء، والهــوى ميل النفس ورغبـتها وقد يكون مخالفـــا للشرع، لذلك فأفضل ما جاهد المرء نفسه، فـهي أمارة بالسوء، ونحن بنو البشر في جهاد معها ما دمنا أحياء حتى نفارق الدنيا، وبما أن المغريات حولنا كثيرة وزخارف الدنيا في كل مكان فالأمر ليس بالسهل، لذلك من جاهد نفسه تحت ظل هذه الظروف البالغة الخطورة فأجره مضاعف بإذن الله تعالى، ولا شك أن الاخلاق والتربية والنشأة هي حجر الأساس في سمو نفس الإنسان وترفعه عما يغضب الله كنحو قول ابي العتاهية:
أشد الجهاد جهاد الهوى
وما كرم النفس إلا التقى
وأخلاق ذي الفضل معروفة
ببذل الجميل وكف الأذى
وهناك عدو ظاهر نعرفه ونأخذ حذرنا منه، ولكن هناك عدوا خفيا لا نراه وهو الهوى الذي تأمرنا أنفسنا باتباعه، لذلك لابد من ربط النفس بزمام الإيمان والتقوى وكبح جماحها، ومعلوم أن جهاد المرء نفسه أعلى مراتب الجهاد وبه يصل المرء للدرجة العالية عند الله تعالى، وقد قال المولى عز وجل في ذلك (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ـ النازعات: 40 و41).
يقول الفاروق عمر رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا»، وأصل محاسبة النفس قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ـ الحشر: 18)، فإن رأيت زللا او تقصيرا تجاه ربك تداركت الأمر وأنبت إلى الله، وألا نكون ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم فغضب الله عليهم، وكان محمد بن المنكدر يقول: «كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت».
وقال مالك بن دينار: «رحم الله عبدا قال لنفسه ألست صاحبة كذا ألست صاحبة كذا؟! ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائدا». ومن عجائب ما روى ابن أبي الدنيا أن توبة بن الصمة كان شديد الحساب لنفسه، فحسب عمره فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفا وخمسمائة يوم، فقال: «لو أذنب في كل يوم ذنبا كيف ألقى الله بصحاف مملوءة بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة؟» فأغمي عليه، فلما أفاق قال: وهو يعقل إن أذنب ذنبا واحدا كيف لو أذنبت عشرا أو مئة أو ألفا، كيف ألقى الله بكل هذه الذنوب؟! فأغشي عليه فلما جاءه أهله وجدوه ميتا. فإذا قائل يسمع صوته ولا يرى يقول: يالك من ركضة إلى الفردوس الأعلى. نسأل الله أن يختم لنا بخير، ودمتم سالمين.