الحرية حق مكفول للجميع لا يختلف على ذلك اثنان، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ومنحه الحرية في اختيار الدين والعقيدة وأعطاه حرية التعبير عن رأيه وحرية التصرف، ولنا في تاريخنا الإسلامي شواهد كثيرة، ومن ذلك قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه والرجل القبطي المصري الذي قدم من فسطاط مصر إلى المدينة المنورة وشكا لعمر تعدي ابن والي مصر عمرو بن العاص عليه عندما سبقه في حلبة السباق، فأخذ له حقه من عمرو وابنه وأطلق كلمته المشهورة والتي ما زلنا نرددها حتى اليوم: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
غير أن الحرية لا تؤتي ثمارها إلا من خلال الممارسة الصحيحة لها، فلا يوجد شيء اسمه حرية مطلقة، فالحرية مقيدة بضوابط دينية وأخلاقية، ولها حدود علينا ألا نتخطاها، حتى لا ندخل نفق الفوضى، فحريتنا يجب ألا تتجاوز حقوق وحريات الآخرين، ولا تتجاوز النظام والقانون، وتكون ضمن إطار مسؤول، فلا نؤذي الآخرين ولا نكذب ونحرض باسم الحرية فيكون الأمر «سبهللة».
لقد وجدت الحرية المنضبطة من أجل التعايش السلمي، وللأسف هناك من يفهم الحرية فهما خطأ، فيستخدمها لإيذاء الغير، مع أن شريعتنا السمحة وضعت لها حدودا، ووردت آيات عدة تخبرنا بصريح العبارة أن المرء محاسب على قوله وفعله (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد - ق: 18). كما حثنا إسلامنا على الوسطية والاعتدال، والحرية تقف عند حريات الآخرين، أما ما سوى ذلك فهي حرية زائفة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، ثم إن الحرية الشخصية لا بد أن تتضمن أولا حرمة الذات وتأمينها، ولا تكون الحرية في المجاهرة بالمعاصي، وشتم الناس والتدخل في خصوصياتهم، وفي النهاية كل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، ونحن بغنى عن هذا الضد الذي لا يكون في صالحنا، ودمتم سالمين.