ما من شك أن العفو أشد تأثيرا على المذنب من الانتقام، فالانتقام يزيد الخصومة خصومة، والشر شرا، والعفو يبعث الألفة والمحبة، وقد كنا ومازلنا نسمع الناس تقول: المسامح كريم، فالتسامح خلق رفيع وصفة رائعة حثنا عليه ديننا الإسلام، دين المحبة والخير والفضيلة، ولا يكون التسامح على الخطأ له وقع في نفس المخطئ إلا إذا كان من أخطأ في حقه قادرا على الرد، فلا يرد الإساءة بالإساءة، بل يعفو ويصفح، وليس ثمة شيء أفضل من العفو والرفق والفضل والإحسان، والتسامح قوة وليس ضعفا، وحكمة وقدرة على التحكم بالمشاعر (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) آل عمران: 134.
إن العـفو عنــد المقدرة من شيم الكرام، ولا شك في أنـــه من حق المرء أن ينتصر لنفسه، ويدافــع عن كرامته، ولكنه إذا عفا وسامح كان أفضل له عند الله تعالى وعند الناس، وليس أدل على ذلك من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «ألا أدلكم على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة، تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك». وها هو نبي الله يوسف الصديق عليه السلام يعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله ورموه في البئر، وفرقوا بينه وبين أبيه يعقوب عليه السلام، فتى صغير وحيد فريد، فعفا عنهم عند القدرة على الانتقام منهم، حيث يقول المولى عز وجل: (قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) يوسف: 92.
ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:
العفو من شيم الكرام
والصفح من شيم العظام
وأخو الشهامة من عفا
عن قدرة على الانتقام
ودمتم سالمين.