لا تتوقف المناقشات مع الزملاء عن أساليب القيادة وآثارها على المنظومة الإدارية، في المنظمات والمؤسسات كشركات الطيران والمستشفيات وقطاعات التكنولوجيا وغيرها، وكان آخرها عن ظاهرة القيادي المتسلط الذي يحب أن يطاع أمره، ولا يعصى في منظمته، يستجاب لرغباته حتى وإن كانت خاطئة أو مضللة.
وقد تحدث المؤلف إيرا شاليف في كتابه عن «فعل الصواب عندما يطلب منك فعل الخطأ !» أو «فعل الشيء الصحيح عندما يتم ممارسة الضغط عليك للقيام بخلاف ذلك». وما أعظمه من سلوك، نجد أثره في العديد من ممارساتنا اليومية. ذكر شاليف كيف خطرت له فكرة الكتاب عندما كان لديه شخص يقوم بتدريب كلب توجيه (Guide Dog) في أحد فصوله، وتناول عنصرا مهملا لكنه أساسي اليوم في صنع القرار الأخلاقي والرأي الرشيد.
في التربية، قد يلجأ الآباء لحث أطفالهم على الطاعة، لكن المطلوب تحديدا هو تعليمهم ألا تكون الطاعة عمياء، بل كما علمنا الهدي النبوي «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». حتى إذا كبر الطفل وأصبح مميزا أدرك قيمــة الرأي وعظم استقلالية القـــرار، وربما فـــهم معنــى المعـــارضة المفـــيدة حـــتى لا ينــساق الطفل أو الشاب خلــف كل ذي ضـــلال، ويحمي نفسه من أن يكون مطيعا صرفا.
وهذا ما حدث تحديدا عندما «مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالصبيان وفيهم عبدالله بن الزبير، ففروا ووقف، فقال له عمر: ما لك لم تفر مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أجرم فأخافك، ولم يكن بالطريق ضيق فأوسع لك». وفي هذه الإجابة الفطنة وسرعة البديهة وسداد الرأي، ولاحظ احتواء أمير المؤمنين لرأيه وعدم لومه أو توبيخه.
عودا إلى فكرة المقال، فإن الممارسات القيادية لدى بعض المسؤولين في المنظمات قد تبلغ حدا مفرطا في الرغبة بطاعته، وعدم الاستماع إلى آراء مخالفيه، مما يعزز من سيطرته على المنظمة، فينتج لنا مع الوقت أشباه قادة! وهذه الممارسات تعاكس مبدأ قياديا مهما في تدريب القادة وهو «الاتباع الشجاع - Courageous Followership». الاتباع الذي يتطلب تقديم دعم حقيقي لمن يشغلون مناصب قيادية والحرص على بناء علاقات معهم تسمح لأولئك الذين يشغلون أدوارا تابعة بالتحدث بصراحة وحيادية عند الحاجة.
من الضرورة بمكان أن يحيط القيادي المحنك نفسه بثلة من الأشخاص المدربين بعناية، والمؤهلين بامتياز في قرع جرس الإنذار أو صافرة الحذر (whistleblowers) عند كل قرار خاطئ، أو توجه إستراتيجي مبهم غير محمود العواقب.
والأمثلة كثيرة في القطاع الطبي وغيره. تخيل لو أن ممرضا أو صيدلانيا عصى أوامر الطبيب في إعطاء دواء لمريض بالقلب وهو يعلم بأعراضه الجانبية الخطيرة على القلب والأوعية الدموية، والتي قد لم ينتبه لها الطبيب لحظة القرار لانشغاله أو نسيانه. ماذا لو رفضت الممرضة أمر الطبيب حفاظا على سلامة المريض؟ ماذا لو وافق الصيدلي وصرف الدواء، وتم استدعاؤه لاحقا للتحقيق الطبي من قبل جهاز المسؤولية الطبية؟!
اقترح المؤلف شاليف «أن يجد الأفراد توازنا مناسبا للتكيف مع أي نظام له قواعده وسلطاته، وفي الوقت نفسه على تحمل المسؤولية عن أفعالهم». ويوضح كيف أن تبني سياسة «فقط اتبع الأوامر» قد تتسبب في أضرار جسيمة للآخرين نتيجة للقرارات الخاطئة المترتبة عليها، وأن ثقافة «نعم أوافق» المنتشرة في المنظمات، سواء كانت في مستشفيات أو شركات طيران، قد تنطوي على نتائج وخيمة.
وأختصر بالقول ان ابداء الرأي الصريح هو ممارسة صحية وحيادية وثقافة مؤسسية قيادية تستحق أن تزرع وتروى وتثمر، في قلب كل منظمة مميزة، وهي رسالة نوجهها لتتماشى مع مواطن الغد، المواطن الصالح المصلح.
Mnalanzi@outlook.com