كلما أمسكت الكتاب لأقرأ تنازعني نفسي لأمسك القلم وأكتب ما يجول في خاطري من أفكار وخواطر، وحينما أمسك القلم لأكتب يهتف بداخلي صوت أن أدع القلم وأرجع للقراءة، فالمكتوب كثير والمقروء قليل.
ما بين قارئ حصيف وكاتب جديد، أردت أن أفتح الباب على مصراعيه لأطرق باباً لا بد أن يطرق، وأطرح موضوعا لا بد أن يطرح، في زمن كثر فيه الكتاب والقراء ودور النشر والمكتبات واختلط فيه الحابل بالنابل، وأصبحت الكتابة مهنة من لا مهنة له، وأصبحت القراءة هواية من لا هواية له.
لنتفق في البداية على أنه لكي تكون كاتبا جيدا عليك أن تكون قارئا نهما، هذه المقولة والجملة تمر على مسامعنا كثيرا، وهي صحيحة بالمجمل، ولكن ما قد يفوت البعض أنه ليس بالضرورة أن تكون كاتبا جيدا إذا كنت نهما في القراءة، فالإنسان قد يوفق لهواية، ولكن لا يوفق لمهارة، والفرق بينهما كبير.
ولنضرب مثلا بلاعب الكرة الجيد، والمتابع النهم لمباريات الكرة، فاللاعب الجيد الذي يتابع مهارات اللاعبين وكيف يتحكمون بالكرة، ستكون هذه المتابعة نافعة له على أرض الملعب، ولكن المتابع النهم للكرة ستكون متابعته نافعة له بالتمييز بين اللاعب الجيد واللاعب الرديء أو الذي دون المستوى المقبول، ولن يستطيع أن يطبق هذا الأمر على أرض الواقع فالمشاهدة شيء والتطبيق شيء آخر.
وكذلك فعل القراءة والكتابة، فالقارئ الحصيف يستطيع أن يميز بين الغث والسمين، والجيد والرديء، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كاتبا متميزا يشار إليه بالبنان، والكاتب الذي يقرأ بشكل لا بأس به، سيجعل ذلك من قلمه قلما يفوق به أقرانه، ويتفوق به على منافسيه، فالقراءة وسيلة مساعدة ومحفزة لمن يملك لا لمن لا يملك.
البصمة الوراثية لدى البشر مختلفة ولا تتطابق إلا في حالات نادرة، فلكل واحد منا بصمته الخاصة، وكذلك قلمك وكلماتك وأفكارك لا تأتي مطابقة لأحد مهما كانت الأفكار متشابه والرؤى متقاربة، فبصمة قلمك وتركيبات جملك وترتيب أفكارك لا تأتي متطابقة مع أحد إلا ما ندر.
من علامات الساعة الصغرى ظهور القلم وفشوه والمراد ظهور الكتاب وكثرة الكتاب. قال النبي ﷺ: «إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة... وظهور القلم».
٭ قال البرزنجي: فشو القلم كناية عن كثرة الكتبة، وقلة العلماء.(م.ق)
مــا قــيل في السابق ويقال في اللاحق دعوة إلى القارئ النــهم أن يتمهل، وللكاتب الجديد أن يتريث، في اقتحام مجال قد اقــتحم، وباب قد طرق، وعالم قد تجرأ عليه الكثيرون، فأساؤوا إليه دون أن يشعروا، وشوهوا صورته دون أن يعلموا.
asfor83@gmail.com