يحتاج المعتاز إلى المال حتى تسير حياته بشكلها الطبيعي، وحتى لا يمد يده لغيره، فالحاجة تخلق من الإنسان وحشا، كاسرا، هائجا، خائر القوى، حاقدا، حسودا، كارها لكل معاني الحياة.
***
المال عصب الحياة، ومن دونه يشعر الفرد بالعجز التام، والفاقة العظيمة، والحاجة الماسة لحبل إنقاذ من قسوة الظروف ومن تصاريف الدهور وتقلب الحال، ومن سوء المآل.
***
يطلب الفقير كسرة خبز ليقوي بها عوده، ويطلب المعروف من الناس ليسير شؤون حياته، ويأمل التفاته من غيره ليعيش حتى غده. فالفقير لا يطلب المال ليكون بمصاف الأغنياء، أو ليشار إليه بالبنان، أو ليحظى باحترام الجميع، بل يطلب ليسد جوعه، ويروي ظمأه، وليكفي من يعيل.
يأمل الفقير وذوو العازة أن يجدوا من الأغنياء ومن لديه ما يكفيه لقرون طويلة التفاتة إلى غيره، أو مد يد المساعدة، أو التفضل بالقليل ممن لديه الكثير، ولكن يفاجأ بأن الغني أحرص على المال من غيره، وأنه يخاف من إنفاقه رغم عدم حاجته له، بل إنه يصدم بأنه يبخل على نفسه بالقليل فكيف يعطي الفقير.
يصاب الفقير بالصدمة النفسية، والانكسار الكبير، حيث خاب ظنه، وسعيه لم يتم، وأحلامه الوردية أصبحت كابوسا يقض عليه مضجعه.
الفاقة والعوز يولدان لدى المعتاز شعورا لا يوصف وحالة يرثى لها، في زمن يفاخر فيه الأغنياء والمشاهير بممتلكاتهم ومقتنياتهم، ينظر لهم ثم يبكي على حاله، يراهم يتقلبون بالنعم وهو مازال يدور بحلقة مفرغة لا يجد مخرجا من وضعه الحالي.
تمر الأيام ويدور الزمن، وقد يتبدل الحال فيتحسن حاله، وتتغير أوضاعه فتصبح أيامه الصعبة والشديدة دروسا قاسية، وذكرى مؤلمة صقلت شخصيته وعلمته دروسا ليست مجانية.
وقد تمر الأيام ويزداد حاله سوءا، فالمصاعب تشتد والخناق يضيق على عنقه فلا يكاد يجد مخرجا ينقذه، ولا دربا يسلكه، ولا طريقا يأخذه فتنتهي حياته وتنقطع آماله وتنتهي سيرته، فتخرج روحه لبارئها، وينهال عليه التراب بعد أن وسد في قبره، فلا أصدقاء حوله، ولا أحباب يبكونه، ولا أهل يرثون لحاله.
الأيام الصعبة أنهت حياة الكثيرين، فالنهايات ليست كما يقال عند علماء الصحة النفسية سعيدة، فقد تكون النهايات تعيسة حزينة مؤلمة وقاسية أيضا.
الله عز وجل جعل الألم والحزن والضيق اختبارا وامتحانا للبشر فمن ناجح وراسب، ومن ساخط وصابر، ومن متذمر ومحتسب، فالناجح هو الفائز الناجي يوم لا ينفع مال ولا بنون، والخائب الخاسر هو الذي ستفتح له أبواب الجحيم ليدخلها كما عاش بعضا من صنوفها بالدنيا.
asfor83@gmail.com