لقد انقضى شهر رمضان المبارك بما فيه من أجواء إيجابية وعادات اجتماعية ملؤها التواصل والتراحم بين الناس عموما، أهلاً وجيرانا وأصدقاء.
ولعل من الأمور اللافتة هذا العام كان الاحتفال بـ «القرقيعان» كمناسبة شعبية تراثية متوارثة بين الكويتيين الذين يحرصون دائما على إحيائها في أيام محددة خلال الشهر الفضيل للترويح عن الأطفال وتشجيعهم على الصيام.
نعم.. ما كنا نعرفه في السابق أن موسم القرقيعان يكون على مدار ثلاثة أيام فقط، هي في منتصف شهر رمضان، الهدف منه أن تعم الفرحة والبهجة بين الأطفال، أما اليوم فقد أخذ موسم القرقيعان أكثر من أيامه الثلاثة وأصبحت بهرجته مبالغا بها، لدرجة أنه أصبح كرنفالا شعبيا احتفاليا كبيرا يقام في شوارع المنطقة مع وضع بوثات جميع المنتجات المحلية وركنا لنقش الحنة على الأيادي، وتوزيع العصائر والمخبوزات والحلويات الرمضانية بأنواعها، وتجد أيضا عربة خيل وقطار صغير لنقل الأطفال والعاملات المنزلية مشاركة معهم لأطفال أعمارهم أقل من ثلاث سنوات.
والسؤال: هل التطور هو السبب في خلق تلك الظاهرة، أم بسبب الوفرة المادية، أم أن الأجيال الحديثة باعتقادهم أن القرقيعان يجب أن يكون هكذا بنظرة عصرية حالية حديثة الى أن أصبح القرقيعان يشكل حملا ثقيلا ماديا وشكليا على الأسر الكويتية بذلك المنحى الحديث، كي يحتفلوا مع الأبناء والأحفاد والأصدقاء وإرسال القرقيعان على أشكال مغلفة إلى بيوت الاصدقاء والأقارب والجيران.
وهذا كله بعيدا عن حقيقة القرقيعان البسيط الذي كنا نعرفه في السابق، حيث يخرج الصبية والبنات في ليالي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من رمضان فقط إلى البيوت المجاورة لهم في القطعة التي يسكنون فيها وأكياسهم في أياديهم فرحين بالمرأة المُسنة التي تنتظرهم عند الباب مع «الزبيل» المصنوع من الخوص وبيدها كوب من معدن وبجانبها بعض من أفراد الأسرة ليشاهدوا فرحة الأطفال أثناء التوزيع عليهم، وللعلم كانت تعطيهم غَرفَة واحدة من تلك الحلويات المشكلة ولا يجرؤ أي طفل كما اليوم ليطلب أكثر من مرة أو يجرؤ على أن يمد يده على السلة القرقيعانية ليختار منها ما يحلو له، بل كان الانضباط في التربية الى هذا الحد كي لا يزرعوا في أبنائهم شراهة الطلب والطمع على عكس اليوم.
أرجو ألا تستمر هذه (الهبة) الجديدة، وأن تتراجع وتعود بسمة القرقيعان كما في الماضي البسيط المتواضع دون مبالغة لدرجة أن بعض موظفي الدولة في المؤسسات والوزارات صاروا يحتفلون به والكل يعلم أن القرقيعان يخص الأطفال فقط لا الكبار وتوقيته مساء لا نهارا، ويكون بين البيوت وفرجان القطعة الواحدة في منطقة سكنهم لا في أماكن العمل والدوام.
وكلنا أمل أن تستمر عاداتنا وتقاليدنا الجميلة كما نعرفها كجزء من تراثنا الشعبي، وألا تتحول الى أعباء مادية على الأسر وتكون المقارنات أساسها والبذخ ركيزتها، وليشعر الجميع بمعانيها الإنسانية والمجتمعية.
والله الموفق.