أصبحت مشاهد الجوع التي نراها في غزة المحاصرة ذاكرة جمعية في قلوبنا، لا يمكن نسيانها ولا يمكن أن تصير ترابا في يوم من الأيام، ويبقى السؤال الذي يدور في خلدي عن الأدب والفن وسيرة الجوع والخذلان: من يخلد الآخر؟ هل يسحق الأدب والفن ذلك الغول الوحشي الكاسر؟
٭ المشهد الأول: انتشر في الإعلام مشهد للدكتور فايز أبو شمالة وهو يعتذر للشعراء العرب حين يلقي بديوان «نازك الملائكة» في النار، يستخدمه وقودا بدلا عن الغاز، تعود القصيدة إلى أصلها، تحلق الكلمات عاليا، تدفئ القلوب الباردة في ظل وحشية الحصار والحرب النازفة.
٭ المشهد الثاني: شاب نازح يتنازل عن مكتبته مقابل كيس من الطحين، حين يصير الطحين أثمن من الحلم، وحين يكون الصمت أبلغ من القصائد، والجوع أفصح من كل العبارات الثقافية والأدبية الرنانة، نعرف حينها أن الحياة قد تنحني لكنها لا تشترى!
٭ المشهد الثالث: وليس الأخير!
الفنان طه أبوغالي يكسر لوحاته الفنية ليصنع منها حطبا للطبخ، ونطرح هنا سؤالا فلسفيا مبتذلا: كيف يمكن للأدب أن يربت على قلوب الجياع؟ كيف يمكنه أن يبعث بالطمأنينة المفقودة للمشردين؟
هاهو الجوع اليوم في غزة لا يكتفي بسرقة الخبز بل ينهش الكرامة، وهاهي النار لا توقدها يد الكاتب فوق الخشبة، بل الألم هو وقاد النار حين ينهش جسد الإنسانية المنسي تاركا خلفه حطاما من الذكريات.
حين تحرق القصائد، ويصير الأدب رمادا، يبقى الفن هو الناجي الأخير، هو الدفء حين تبرد المعاني، والمعنى هو ما ينقذنا من الفناء!