العيد الوطني هو وقت يمتلئ فيه الهواء بالوطنية، ويرتدي الجميع أفضل الملابس الحمراء والبيضاء والخضراء. وبينما احتفلنا بهذه المناسبة السعيدة منذ فترة، فقد يكون من المناسب بعد انتهائنا من الاحتفالات التفكير في رحلة أمتنا والتأمل في الطريق إلى الأمام.
أولا، وقبل كل شيء، مواهبنا المحلية المذهلة خاصة تلك الموجودة في الأوساط الأكاديمية ترسم الكويت مليئة بالعقول المشرقة والمفكرين المبدعين، ومع ذلك غالبا ما نشعر كأننا لا نستغل هذا المنجم الذهبي من الإمكانيات.
الأمر ليس سرا إذا استثمرنا أكثر في خريجي جامعاتنا ووفرنا لهم فرصا بحثية وفيرة وخلقنا منصات للعلماء الشباب للتألق، فإننا بذلك لن نمكن شبابنا فحسب بل سنقود أيضا التنمية المستدامة وفقا لأهداف التنمية المستدامة، التي تؤكد على أهمية البحث الأكاديمي لدفع المبادرات وتحديد الأهداف المناسبة ثقافيا لمجتمعنا. ونظرا لأن غالبية سكان الكويت ينتمون إلى فئة الشباب، فلم يكن هناك وقت أفضل للاستثمار فيهم.
إنها أيضا فرصة جيدة للتخلي عن الروايات القديمة التي تقص أجنحة أحلامنا الشباب، فالعالم يتطور، وينبغي أن تتطور وجهات نظرنا أيضا. ومن خلال تشجيع ثقافة تشجع الإبداع والتفكير النقدي، يمكننا إلهام الجيل القادم للإيمان بأنفسهم وقدراتهم.
أما بالنسبة إلى اقتصادنا، وبينما تتمتع الاستثمارات الخارجية بمزاياها، فالتركيز على النمو الداخلي له قيمة هائلة. إن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية وبيئة الأعمال العامة ورعاية رواد الأعمال لدينا يمكن لها أن تؤدي إلى اقتصاد قوي ومرن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تقاليدنا الغنية وثقافتنا النابضة بالحياة ومشاريعنا التجارية الإبداعية التي لا مثيل لها في دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك الكثير لعرضه. فمن خلال الاستثمار في السياحة المحلية، يمكننا خلق فرص العمل والحفاظ على تراثنا، ومشاركة قصصنا الفريدة مع العالم، وهي أيضا خطوة إلى الأمام نحو التوافق مع أهداف التنمية المستدامة.
ورغم سعينا لتحقيق التقدم، يجب ألا نتجاهل عاملا حاسما واحدا وهو دور العلوم الاجتماعية. ففي كثير من الأحيان، تحتل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية مركز الصدارة، في حين يتم تهميش التخصصات التي تشخص التحديات المجتمعية.
مع ذلك، من دون فهم عميق لديناميكيات مجتمعنا لا يمكننا توقع تنفيذ حلول فعالة، إذ يجب أن يبدأ أي تطوير ذي مغزى بتحديد المشاكل بشكل صحيح، وهو أمر يتطلب الاستثمار في العلماء والمهنيين المحليين الذين يفهمون النسيج الاجتماعي في الكويت.
حاليا، نعتمد بشكل كبير على التشخيصات الخارجية، والتي غالبا ما تشكلها المنظمات التي تطبق أطرا عامة دون مراعاة سياقنا الفريد، ويؤدي هذا الاعتماد المفرط إلى تشخيص خاطئ للقضايا، وبالتالي إلى حلول غير فعالة. وما نحتاج إليه هو التزام أقوى بأخلاقيات البحث مع منهجيات أفضل، والشفافية في جمع البيانات. وإذا كان أساس معرفتنا معيبا، فإن السياسات المبنية عليه معيبة أيضا.
ختاما، تبدأ الحلول عبر تمكين الباحثين المحليين من الشباب أو المتقدمين، مع ضمان أن تعكس الدراسات الحقائق على الأرض، مما يسمح لنا بالتحرر من الوصفات القديمة، وتصميم إستراتيجيات التنمية التي تعمل بالفعل لصالح الكويت.
وبينما احتفلنا الفترة الماضية بالعيد الوطني لدولتنا الكويت، لنا أن نتخيل أيضا مستقبلا تزدهر فيه الكويت عبر احتضان مواهبها المحلية، والاستثمار الحقيقي في هويتنا الثقافية على جبهات متعددة، بما في ذلك البحث الأكاديمي، وتكريم ثقافتها الغنية. ونأمل أن يكون المستقبل أكثر إشراقا وجرأة ونجاحا.
dr_randa_db@