بينما آلات الدفع الذاتي قد تكون وسيلة رائعة لتقليل أوقات الانتظار، إلا أن علماء الاجتماع اتهموها بتعزيز ميول سلوكياتنا السيئة الطبيعية دون الشعور بالذنب. في الوقت الحاضر، ومع ميل العملاء لإعطاء الأولوية للسرعة والكفاءة على حساب التفاعلات البشرية، بدأ النسيج العقلاني للحياة اليومية بالتلاشي. لكن هناك ما هو أكثر من ذلك، فعمليات الدفع في مطاعم الوجبات السريعة لا تعكس التطورات التكنولوجية فحسب، بل هي أيضا ظاهرة تحول اجتماعي واقتصادي أوسع نطاقا.
بالتأكيد، تخفض هذه الأكشاك التكاليف من خلال زيادة نقاط البيع دون الحاجة لتوظيف المزيد من الموظفين، كما أثبتت أنها تزيد من متوسط الفاتورة، مما يعني أنك أكثر عرضة لإضافة المزيد من المنتجات إلى سلة التسوق، خاصة لعملاء المتجر الذين يكادون يتذوقون الدهون اللذيذة من روائحها. إضافة إلى ذلك، فإن أسلوب التحفيز النفسي المقنع تحت ستار «البيع الإضافي» الذي يسألك عما إذا كنت ترغب في إضافة عناصر هامشية أو الترقية إلى حزمة أكبر، قد دفع العديد من علماء الاجتماع إلى تصنيف هذا السلوك على أنه غير أخلاقي لأنه يلعب - ويبرر جزئيا - عدم تحمل المسؤولية عن سلوكيات الشراهة الطبيعية لدينا.
في حين أن السرعة مضمونة، يزعم علماء النفس أنه عند الطلب من البشر، فإن عقلنا الباطن يلعب دورا في التساؤل عما سيفكر فيه الآخرون بشأن طلباتنا، سواء كانت كثيرة أم غريبة، وربما يدفعنا سرا إلى الإسراع نظرا لوجود طوابير طويلة خلفنا. يميل هذا النقص في الحضور البشري إلى تقليل القيود التي تسببها المحفزات عادة من خلال التنظيم الذاتي، مما يسمح لنا نوعا ما بالسماح لأنفسنا في الانغماس دون الحكم اللاواعي من عقولنا، كذلك من الآخرين من حولنا.
إن التسويق وجمع البيانات واستخراجها بذكاء أمر خطير، ووفقا للدكتور ماكس ويبر، الذي عرف علم الاجتماع بأنه دراسة للفعل البشري، فإنه يشرح من خلال مفهومه «العقلانية» أن هذا النمط من الحياة العصرية قد يؤدي إلى ظاهرة جماعية تعرف باسم «القفص الحديدي للعقلانية»، والتي قد تقيد الأفراد أثناء انتقالهم من نظام عقلاني منظم إلى آخر، مما يقلل في النهاية من قدرة البشر على الانخراط في قواهم الإبداعية وقدرتهم على التفكير بأنفسهم. وينطبق مفهوم ويبر اليوم تماما كما كان قبل أكثر من مائة عام، ويرى علماء الاجتماع المعاصرون أن واقعه الحالي يشير إلى الأنظمة التي تعطي الأولوية للكفاءة والقدرة على التنبؤ، مما يؤدي في النهاية إلى السيطرة.
في الختام، ومع استمرار الآلات باستبدال ليس فقط أمناء الصندوق، بل أيضا العلاقات، خاصة مع الذات التي تتعرض لهجوم مستمر وصامت من قبل المسوقين، بات من الضروري التفكير في هذه التحولات السريعة وإدراك إيجابياتها وسلبياتها. ويبدو أنه كلما طورنا التكنولوجيا، ابتعدنا أكثر عن التجربة الإنسانية، فهل هذه آلية لتعزيز تطور البشرية والثقافة، أم آلية تحكم أخرى؟
أترك لكم الحكم في ذلك.
dr_randa_db@