«1.3 مليار شخص حول العالم يعيشون في ظلام» و«نورك كافي» كانت هذه العبارات التحفيزية الجميلة لأهمية إطفاء الأنوار التي رأيتها هنا في الكويت في جمعية العون المباشر، التي أسسها الراحل د.عبدالرحمن السميط، رحمه الله.
الرسالة واضحة: علينا الاستفادة من الموارد المتاحة بعقلانية دون تبذير، وتعزيز الوعي بالحاجة إلى الطاقة في مختلف أنحاء العالم. هذه الفكرة تعكس أهمية العمل الجماعي والوعي البيئي، حيث يمكن لكل فرد أن يسهم في إحداث تغيير إيجابي من خلال اتخاذ خطوات بسيطة مثل إطفاء الأنوار عندما لا نحتاج إليها.
تذكرت أيضا زيارتي لأحد الجهات البحثية في الولايات المتحدة، وهي شركة «ويستات» (Westat) المملوكة للموظفين والتي يعمل بها حوالي 2000 موظف. أثناء الجولة، وعند مغادرتنا مركز الاتصال، قال أحدهم «هيا نطفئ الأنوار، فنحن ندفع ثمنها» (We pay for it). كانت هذه العبارة تعكس وعيا بالمسؤولية تجاه الموارد، ولكنها أيضا تظهر الفلسفة الرأسمالية التي تسلط الضوء على البعد الاقتصادي لتحقيق الربحية من خلال تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف، مما ينعكس في سلوكيات الموظفين ووعيهم بأهمية الاستخدام الأمثل للموارد.
حتى لا يبدو أنني أريد أن أقارن بسلبية على القطاع الخاص، فلابد من التوضيح أن الفروقات بين العمل الخيري والفلسفة الرأسمالية تتجاوز مجرد الأهداف. فالمؤسسات الخيرية تسعى إلى تحقيق تأثير اجتماعي إيجابي، وغالبا ما تعتمد على التبرعات والدعم المجتمعي لتحقيق أهدافها، بينما تركز المؤسسات الرأسمالية على تحقيق العوائد المالية ورضا المساهمين. ومع ذلك، يمكن أن تتداخل الأهداف في بعض الأحيان، حيث تسعى بعض المؤسسات إلى دمج الأبعاد الاجتماعية في استراتيجياتها التجارية، مما يؤدي إلى ظهور نماذج جديدة مثل «الربح مع الغرض» أو «الاستثمار الاجتماعي».
في النهاية، يكمن التحدي في كيفية تحقيق توازن بين هذين الاقترابين. يجب أن نتعلم من التجارب المختلفة لكل من العمل الخيري والرأسمالي، بحيث نستفيد من الدروس المستفادة من كلا النموذجين لتحقيق أهداف مستدامة تخدم المجتمع ككل. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات الخيرية أن تستلهم من الفلسفة الرأسمالية في كيفية إدارة الموارد بكفاءة، بينما يمكن للمؤسسات الرأسمالية أن تتبنى قيم العمل الخيري وتعزز من تأثيرها الاجتماعي.
إن إدراك هذه الفروق والفرص يمكن أن يؤدي إلى بيئة عمل أكثر تكاملا، حيث يتمثل الهدف النهائي في تحسين جودة الحياة للجميع. لذا، يجب أن ندعو إلى تعاون أكبر بين هذه النماذج، وتعزيز الحوار بين المؤسسات المختلفة، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر استدامة ووعيا.
عندما نتحدث عن العمل الخيري والرأسمالي، يجب أن نتذكر أن كلاهما يلعب دورا حيويا في تشكيل المجتمع. من خلال الفهم العميق للاختلافات والفرص بين هذين الاقترابين، يمكننا تحقيق التوازن الذي يخدم المجتمع بأفضل صورة، حتى لو كان العمل الخيري أقرب لقلوبنا.