لطالما وجه العرب انتقادات حادة إلى الأمم المتحدة وأجهزتها، خاصة مجلس الأمن، حول ممارسة الازدواجية في المعايير، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث عطلت قرارات حاسمة بشأنها بسبب استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الولايات المتحدة، فيما لم تنفذ قرارات أخرى أدانت إسرائيل وطالبتها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، مما جعل الأمم المتحدة في صورة العاجز على مواجهة الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية المتكررة!
كما اتهم العرب الأمم المتحدة بالتقاعس عن التدخل الحاسم في صراعات معقدة مثل تلك في سورية واليمن وليبيا، فعلى الرغم من وجود المبعوثين الأمميين وما يحملونه من مبادرات فإن النتائج غالبا ما تكون غير ملموسة، ما يثير تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة على فرض حلول عملية للنزاعات وإنهاء المعاناة الإنسانية المرتبطة بها.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى نتائج الدورة السابعة (2021-2022) من استطلاع البارومتر العربي، والذي يعتبر الأكبر من نوعه منذ عام 2006 لمعرفة الاتجاهات والقيم الاجتماعية السياسية والاقتصادية للمواطنين في الدول العربية، وكان لي شرف المشاركة في فريقه في دولة الكويت أربع مرات بالتعاون مع جامعة برنستون، أظهرت اختلاف تفضيلات الناس للأمم المتحدة في البلدان التي شملها الاستطلاع.
ففي الدول التي تعرضت لحروب لم تتدخل فيها المنظمة بشكل إيجابي فعال، يميل الناس للتعبير عن معدلات أقل من الرضا عن الأمم المتحدة، كفلسطين 19%، ليبيا 38%، والعراق 43%، وينظر فيها إلى المنظمة على أنها غير فعالة. في مقابل دول لم تتعرض حتى وقتها لحروب دولية تخوضها قوى غربية، حيث كانت معدلات الرضا عن المنظمة أعلى، مع اعتقاد المواطنين بأنها مؤسسة مهمة للوساطة وحل النزاعات، وقد يفسر ذلك أن هذه الشعوب لم تجرب نفس معدلات الإحباط المباشر من عدم فاعلية الأمم المتحدة، وشملت هذه الدول الأردن 50% ولبنان وموريتانيا 55% والسودان 62% والمغرب 66%.
ومنذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، توترت علاقة المنظمة والوكالات التابعة لها بكل من إسرائيل والولايات المتحدة التي تدعمها، بدءا من عدم تعاون إسرائيل مع التحقيقات التي أطلقتها المنظمة حول انتهاكات حقوق الانسان خلال الحرب، مرورا برفض إسرائيل لقرارات محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية لوقف العدوان الإسرائيلي وضمان حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك تنفيذ حل الدولتين، وتجاهل البيانات المتكررة من وكالات الأمم المتحدة الإنسانية حول الوضع الإنساني الكارثي في القطاع المنكوب، وإدانة الأمين العام لإسرائيل على قتلها لموظفي المنظمة.
وفي خضم هذه الصراعات والنقاش الحاد من قبل كثيرين من العرب حول حقوق الفلسطينيين وضرورة التزام إسرائيل بقرارات الأمم المتحدة فإن من يتبنون الرواية الفلسطينية يهاجمون الأمم المتحدة بل والقانون الدولي الإنساني!
ومؤخرا، استفحل التوتر بوصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، ليعلن بدوره حربا على المنظمة ووكالاتها، حيث قرر انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومن اتفاقية باريس للمناخ، وحظر تمويل وكالة الاونروا، ثم وقف تمويل برامج الطوارئ التابعة لبرنامج الأغذية العالمي، والتشديد والعقوبات حتى على بعض قيادات الأمم المتحدة مثل المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي.
فهل يتراجع العرب عن موقفهم هذا أو يخف غضبهم على الأمم المتحدة؟!