في مثل يوم غد، وتحديدا في الثاني من أغسطس من عام 1990، استيقظ الكويتيون على مشهد لم يكن في الحسبان، ولم يخطر على بال أكثر العقول تشاؤما، صواريخ، دبابات، وحرائق تشتعل في الأفق، وجنود غرباء يخطون على أرض لم تكن يوما إلا للسلام والمحبة، كان الثاني من أغسطس يوما انكسرت فيه كل أعراف الجيرة، وداست فيه الدبابات على حدود الأخوة، حين أقدمت القوات العراقية على اجتياح الكويت في ظلام الفجر، ليبدأ فصل دام في تاريخ الخليج والعالم العربي.
لكن الغزو لم يكن مجرد احتلال مؤقت للأرض، بل كان محاولة لكسر هوية وطن، وسلب تاريخ، ومسح روح، إلا أن الكويتيين كما علمناهم ويعلمنا التاريخ، لا ينتزع وطنهم من قلوبهم مهما عظمت المحن، فعلى الرغم من السواد الذي غلف الأشهر السبعة من الاحتلال، ظل علم الكويت مرفوعا في قلوب أبنائها، في المنافي والملاجئ، وفي السراديب والمقاومة، لم تهزم الروح الكويتية، بل ازدادت صلابة، ووسط العتمة، تخلق فجر جديد من الكرامة.
المقاومة الكويتية لم تكن بندقية فقط، بل كانت كلمة، دعاء، راديو صغير يبعث الأمل، نساء أخفين السلاح تحت العباءات، وشباب نقشوا أسماء شهدائهم في ذاكرة الوطن، كانت مقاومة شعب كامل، بكل أطيافه يرفض أن يتحول من صاحب أرض إلى زائر فيها.
ولم يكن التحرير في 26 فبراير 1991 مجرد استعادة أرض، بل استعادة روح، عادت الكويت حرة مرفوعة الرأس، بمساندة دولية قل مثيلها، ولكن قبل كل شيء، بعزيمة شعب لم يستسلم، وفي كل عام حين يمر علينا تاريخ الغزو، لا نحيي فقط ذكرى المأساة، بل نعيد التأكيد على معاني الصمود والوحدة والانتماء.
لقد غير الغزو وجه المنطقة، وكشف الكثير من الأقنعة، لكنه أيضا أظهر معدن الكويتيين الحقيقي. واليوم وبعد أكثر من ثلاثة عقود، لاتزال الذكرى محفورة في وجدان كل من عاشها، وكل من تربى على قصصها. إنها ذكرى تعلم الأجيال أن الوطن ليس مجرد مساحة جغرافية، بل كرامة لا تشترى، وهوية لا تطمس، وتاريخ لا ينسى.
فلنرفع رؤوسنا دائما لأننا من بلد واجه المحنة بالعزة، وكتب على جبينه: «هنا الكويت.. لن تنكسر».
Samiraalkandari24@gmail.com