ما بين الانتهازية والإنسانية جسر آمن تريد الدول العبور منه تحت مسمى الاستمرارية وضمان البقاء، فتدفق المشكلات المتراكمة لدول عجزت عن احتواء الخلايا السرطانية لديها إلى أن أصبح الأمر متفشيا في جسدها المترهل مما حدا ما تبقى منها للهروب إلى عالم الأحلام كما يصور لهم، فمنهم من انتشلت أجسادهم التي فارقت الحياة في سفينة نوح، ومنهم من ارتطمت هويته بنسيج الغرب ومنهم من نقل آفة عقولهم الفارغة من المبادئ لبيئة القانون وأصبحت الحالات النقية الطاهرة تكاد تلوح في الأفق معلنة السلام طالبة اللجوء الإنساني الحقيقي، فالأوضاع الاقتصادية العالمية تشهد انكماشات وركودا نسبيا وتضخما محتملا وزيادة لأعداد البطالة المحلية، فكم من الدول الآمنة قادرة على احتضان تلك الوفود السنوية التي تنوي الاستقرار في بلادها؟!
مصالح الدول المحلية والإقليمية والدولية تتطلب الموازنة مع الميل إلى كفة مصالح مواطنيها المشروعة، لذا أعلن الاتحاد الأوروبي عن عمل عدة اتفاقيات ثنائية مع دول الدرع الإقليمي لها ممثلة في دول خط شمال الشرق الأوسطي، والتي قد تكون دول منشأ لهذه الفئة أو دول عبور لهم، بشأن استقبال طالبي اللجوء والمهاجرين المرفوضين بمقابل توفير حزمة اقتصادية لها. يأتي هذا ضمن خطة الاتحاد الأوروبي في إجراء جملة الإصلاحات السياسية لمعالجة مسألة الأعداد المتزايدة للمهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء لدول الاتحاد الأوروبي، لبلورة مساعيه واجتماعاته المتوالية مع أعضائه إلى وضع ميثاق الهجرة واللجوء المتضمن عشرة قوانين تهدف لتقليل عبء الاتحاد عن استقبال تلك الجموع الوافدة من خلال عدة آليات أبرزها تحديد هوية طالبي اللجوء لحظة وصولهم بشكل دقيق وتسجيلهم في قاعدة البيانات البيو مترية لتفادي التلاعب وإفشال محاولتهم تكرار الطلب في حال رفضه، مع انشاء معسكرات على الحدود الخارجية للاتحاد الأوربي لإقامتهم خلال فحص تلك الطلبات او لترحليهم في حالة رفض طلباتهم، مع الزامية مبدأ التضامن الأوروبي للتخفيف عن كاهل الدول الأعضاء من خلال تعويض مادي او عيني يقدم للدول التي تستقبل تلك الحالات لديها، وهذا ما أقره البرلمان في شهر مايو الجاري، وسيعمل به مطلع عام 2026م، ليتسنى لنا بعد ذلك الوقوف على الجانب العملي لذلك الميثاق لرصد إيجابياته.
من جانب آخر، المشكلة الحقيقية التي تفرض نفسها في قضية اللجوء، هي أولئك الذين يصطنعون لأنفسهم حالة حتى يبرروا سبب قبولهم بصفة اللجوء رغم اتاحة الفرصة لهم للعيش الكريم في بلدانهم الأصلية، فمثل هؤلاء من الباحثين عن الحرية المطلقة يعيشون الأوهام.
tahanihuman@gmail.com