منذ أكثر من عقد من الزمن، تناولت في مقال صحافي نشرته «الأنباء» مقترحا غير تقليدي لمعالجة ظاهرة المخالفات المرورية المتكررة في الكويت، وهو استبدال الردع المادي بالخدمة المجتمعية. وقد أثار هذا الطرح حينها جدلا واسعا، تبعها عدد من المقالات للكاتب لإعادة تسليط الضوء على الفكرة ذاتها، والتأكيد على أن العقوبات المالية مهما تغلظت، لن تحدث التغيير المنشود في سلوك السائقين.
اليوم، وبعد صدور تعديلات قانون المرور التي تضمنت إدراج الخدمة المجتمعية كعقوبة بديلة للمخالفين، أشعر أن ما طرحته قبل سنوات بدأ يأخذ طريقه نحو التطبيق العملي. فالمخالف الذي يكلف بتنظيف المساجد أو الحدائق أو المشاركة في حملات بيئية، سيشعر بثقل المسؤولية المجتمعية أكثر من مجرد دفع غرامة مالية قد لا تؤثر في وعيه أو سلوكه.
لقد أثبتت التجربة أن الردع المادي، رغم تغليظه المتكرر، لم ينجح في تغيير العقلية المرورية السائدة، بل أصبح مجرد عبء مالي مؤقت يسدد وينسى. أما الخدمة المجتمعية، فهي عقوبة ذات أثر تربوي ونفسي، تعيد للمخالف شعوره بالانتماء وتعزز احترامه للنظام العام. وهي أيضا فرصة لإشراكه في بناء المجتمع بدلا من الاكتفاء بمعاقبته.
إن إدراج هذا النوع من الردع في القانون يعد نقلة نوعية في فلسفة العقوبة، ويعكس فهما أعمق لطبيعة المشكلة. فالمخالفات ليست مجرد تجاوزات قانونية، بل هي انعكاس لخلل في الوعي والسلوك، ولا يعالج هذا الخلل إلا بأسلوب يعيد بناء العلاقة بين الفرد والمجتمع.
أدعو الجهات المعنية إلى تطوير هذا التوجه، وتوسيع نطاق الخدمة المجتمعية لتشمل برامج توعوية وتأهيلية، تسهم في خلق ثقافة مرورية جديدة، قائمة على المسؤولية لا على الخوف من العقوبة. فالمجتمع لا يبنى بالغرامات، بل بالوعي والمشاركة.
gstmb123@hotmail.com